للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"جُمَعُ" في قولك: "جاءت النسْوَةُ جُمَعُ"، وهو معرفةٌ، فاجتمع فيه العدلُ والتعريفُ، فلم ينصرف لذلك. فإن قيل: العدل إنّما هو أن تلفِظ ببناءٍ، وأنت تريد بناءً آخَرَ لضربٍ من التوسّع في اللغة، كعَدْلِ "عُمَرَ" عن "عامرٍ" و"جُمَعَ" عن "جُمْع" ساكنَ الحَشْو، وأنت تدّعِي أن "سَحَرَ" معدولٌ عن "السَّحَرَ"، والصورتان واحدةٌ قبلَ العدل، وبعده، فالجوابُ: أن "سَحَرَ" وإن كان "فَعَلًا" كما أنّ السَّحَرَ كذلك، فإنّه لما اتّصلت به لامُ التعريف، صارت لامتزاجِها بما عرّفته، كأنّها منه، فجَرَتِ اللامُ في "السحر" مجرَى همزةِ "أَحْمَرَ"، و"إِجْفِيلٍ" (١)، و"إِخْرِيطٍ" (٢) وتاءِ "تِجْفافٍ" (٣)، وياء "يَرْمَعٍ" (٤). فلمّا عدلتَ "سَحَرَ" كأنّك عدلتَ مثلًا من هذه الأمثلة إلى "فَعَلٍ"، فإن نُكر انصرف، نحو قوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (٥) لأنّه قد زال السبَبان معًا بالتنكير، لأنّه كان معدولًا في حال التعريف. وكذلك إذا أدخلتَه الألف واللامَ، صرفتَه، نحو: "السَّحَرِ", لأنّك قد رددتَه إلى الأصل، فزال العدلُ. ومعنى قولنا: "غير متصرّف" أنّه لا يدخله رفعٌ ولا جرٌّ، ولا يكون إلّا منصوبًا على الظرف، وكذلك كلُّ ظرف غيرِ متصرّف. والذي منع "سَحَرَ" من التصرّف أنّه يعرَّف من غيرِ جهة التعريف، لأنّ وُجوهَ التعريف خمسةٌ: تعريفُ الإضمار، وتعريفُ العَلَميّة، وتعريفُ الإشارة، وتعريفُ الألف واللام، وتعريفُ الإضافة إلى واحدة من هذه المعارف، وليس التعريف في "سَحَرَ" واحدًا منها، فلمّا تَعرَّف من غير جهة التعريف المعهودِ، خرج عن نظائره، فمُنع التصرّف لذلك.

فإن صغّرته، وأنت تريد "سَحَرَ" يوم بعينه، انصرف، ودخله التنوينُ، ولم يتصرّف، فلا يدخله الرفعُ والجرُّ، ولا يكون منصوبًا، أمّا التنوينُ فلتِنكُره بزَوالِ العدل، وذلك أنّهم لم يضَعوا المصغَّرَ مكانَ ما فيه الألفُ واللامُ، فيكونَ معرفة معدولًا. وإنّما هو نكرةٌ كـ "ضَحْوَةً"، و"غُدْوَةَ"، و"عَتَمَةً"، و"عِشاءٌ" إلّا أنّه فُهم منه ما يُفهَم من المعارف، فلم يتمكّن، وكذلك "ضُحَى"، و"ضَحْوَةَ" و"عِشاءَ" و"عَشِيَّةَ" و"مَساءَ" إذا أردت ذلك من يومك، لم تكن إلّا ظروفًا، وذلك أنّك إذا قلت: "أنا أتيتُك عشاء" لم يذهب الوَهْمُ إلّا إلى عشاء يومك. وكذلك "عَتَمَة"، فلمّا كان يُفهَم بها ما يفهم بالمعارف من حَصْرِ وقت


(١) الإجفيل: الجبان. (لسان العرب ١١/ ١١٤ (جفل)).
(٢) الإخريط: نبات ينبت في الجَدَد، له قرون كقرون اللوبياء، وورقه أصغر من ورق الريحان، وقيل: هو ضرب من الحَمْض. (لسان العرب ٧/ ٢٨٦ (خرط)).
(٣) التّجْفاف والتّجفاف: ما يُوضَع على الخيل من حديد أو غيره في العرب. (لسان العرب ٩/ ٣٠ (جفف)).
(٤) اليرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس، ولعبة يلعب بها الصبيان. (لسان العرب ٨/ ١٣٤ (رمع)).
(٥) القمر: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>