بعينه، لم تَتمكَّن عندهم، فتُرْفَعَ، وتُجَرَّ، لا تقول:"غَداءُ ضُحَى"، ولا "مَوْعِدُك مساءٌ". ومن ذلك "ذاتَ مرَّةٍ" تقول: "سِيرَ عليه ذاتَ مرّةِ"، فتُقيم الجارّ والمجرورَ مُقامَ الفاعل، ولا تُقيم الظرفَ، لأنّه غيرُ متصرّف، فلا يكون إلّا نصبًا.
وإنّما امتنع من التصرّف لأنّها قد استُعملت في ظرف الزمان، وليست من أسماء الدهر، ولا من أسماء ساعاته، وإنّما المرّةُ في الأصل مصدرٌ. ألا ترى أنّك تقول:"ضربتُ مَرَّةً ومرّتَيْن، والمرادُ بذلك ضَرْبَة، وضربتَيْن؟ فلمّا استُعمل في الدهر ما لسِ من أسمائِه ضعُف، ولم يتمكّن في الزمان تَمَكُّنَ أسمائه، نحو: اليوم، والليلة.
فإن قيل: فأنتم تقولون: "سير عليه مَقْدَمُ الحاجّ، وخُفوقُ النجْم"، فترفعونه، وهي مصادرُ استُعيرت للزمان، فما الفرقُ بينها وبين "ذاتَ مرّة"؟ قيل: إنّ "مقدمَ الحاجّ"، و"خُفوق النجم"، و"خِلافةَ فلان" وما أشبهَها استُعيرت للزمان على تقدير حذفِ مضاف، كأنّه قال: "وقتُ خفوقِ النجم"، و"وقتُ خلافةِ فلان"، ثمّ حذف المضافَ، وهو مرادٌ، فتَصرَّفتْ بالرفع والجرّ حَسْبَ تصرُّف المضاف المحذوف. وليس كذلك "ذات مرّةٍ"، استُعير للزمان لا على تقديرِ حذف مضاف، بل كأنّه اسمٌ من أسماء الزمان. ألا ترى أنّه لا يجوز إظهارُ الوقت معه، فلا تقول: "وقت ذات مرّةٍ"، ولا "وقتَ مرّةٍ"؟، فافترقا. ومثله في منع التصرّف "ذاتَ يوم"، و"ذاتَ ليلة". لا تقول: "سِيَر عليه ذاتُ يوم"، أو "ذاتُ ليلة" بالرفع، بل هو نصبٌ على الظرف لا غيرُ، لأن نفسَ ذات ليست من أسماء الزمان، فجرى مجرى "ذاتَ مرّةٍ".
ومن ذلك "بُعَيْداتِ بَيْنٍ" فهو جمعُ "بَعْدَ" مصغَّرًا، و"بَعْدَ" و"قَبْلَ" لا يتمكّنان، فلا يجوز أن يقال: "سير عليه قَبْلُكَ"، ولا "بَعْدُكَ" بالرفع. والذي منعهما من التصرّف والتمكنِ أنّهما ليسا اسمَيْن لشيء من الأوقات كالليل، والنهار، والساعة، والظُّهْر، والعَصْر، وإنّما استُعملا في الوقت للدلالة على التقدّم والتأخّر، فلم يتمكّنا تمكُّنَ أسماء الزمان. وأمّا قولهم: "فعلتُ ذلك بَكَرَةَ" فهو كـ "ضَحْوَةَ"، و"عَتَمَةَ" إذا أردتَهما من يومٍ بعينه، فلا يتصرّف لأنّه نكرةٌ، فُهم منها ما يُفهم من المعارف، فخرج عن أصله، فلم يتمكّن. وقد تقدّم شرحُ ذلك.
وممّا يُختار فيه الظرفيّةُ، ولا يتمكّن تمكُّنَ أسماء الزمان صفاتُ الأحيان، نحو: طويل، وقليل، وحديث، تقول: "سِيَر عليه طويلًا"، و"سير عليه حديثًا"، و"سير عليه قليلًا"، فلا يحسُن ها هنا إلّا النصب على الظرف، وهو المختار، وذلك لأنّك إذا جئت بالنعت، ولم تَجِىء بالمنعوت، ضعف، وكان الاختيارُ فيه أن لا تخرج عن الظرفيّة، لأنّك إذا قلت: "سير عليه طويلًا"، فـ "الطويلُ" يقع على كلّ شيء طَالَ من زمان، وغيره، فإذا أردتَ به الزمان، فكأنّك استعملتَ غير لفظ الزمان، فصار بمنزلة قولك: