للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقيضَه كذلك، فنظير "دخلتُ": "عَبَرْتُ"، ونقيضُه "خرجت"، وكِلاهما لازمٌ غيرُ متعدّ، فحُكم عليه باللُّزوم، لذلك قالوا: وإنّما قيل: "دخلت البيت" على تقدير حرف الجرّ، ثمّ حذف لكثرة الاستعمال. وقال أبو العباس: هو من الأفعال التي تتعدّى تارةً بأنفسها، وتارةً بحرف الجرّ، نحو: "نصحتُ زيدًا"، و"نصحت لزيد"، و"شكرتُه"، و"شكرت له". فكذلك قلتَ: "دخلتُ الدارَ"، و"دَخَلْتُ فيها" وهو الصواب، لأنّه لو كان على تقدير حرف الجرّ لاختصّ مكانًا واحدًا كثُر استعمالُه فيه، كما كان "ذهبتُ" مقصورةً على الشام، فلمّا كان "دخلت" شائعًا في سائر الأمكِنة، دلّ على صحةِ مذهبِ أبي العبّاس، وأمّا "ذهبت" فمتّفَقٌ على كونه غيرَ متعدّ بنفسه، وقد حُذف منه حرفُ الجرّ.

واعلم أنّ ظرف المكان على ضربَيْن أيضًا: متصرِّفٌ، وغيرُ متصرّف، فالمتصرّفُ

منه ما جاز رفعُه وخفضُه، ودخلته الألفُ واللام، نحو: خَلْفٍ، وقُدّامٍ، وفَوْقٍ، وتَحْتٍ، ومكانٍ، وموضع، فهذه كلُّها متصرّفةٌ. تقول: "قدّامُك فضاءٌ"، و"خَلْفُك واسعٌ"، قال الشاعر [من الكامل]:

٢٥٤ - فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَيْن تَحْسَبُ أنّه ... مَوْلَى المَخافَةِ خَلْفُها وأَمامُها


٢٥٤ - التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٣١١؛ وإصلاح المنطق ص ٧٧؛ والدرر ٣/ ١١٧؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧٠؛ والكتاب ١/ ٤٠٧؛ ولسان العرب ١٢/ ٢٦ (أمم)، ١٥/ ٢٢٨ ظظ (كلا)، ٤١٠ (ولي)؛ والمقتضب ٤/ ٣٤١؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٦٣؛ ولسان العرب ٢/ ٣٤٢ (فرج).
اللغة: فغدت: من الغدو. الفرجان: مثنّى الفرج، وهو ما بين قوائم الدابة، أو الثغر الذي هو موضع المخافة. مولى المخافة: أولى بالمخافة.
المعنى: يقول: فغدت البقرة تعدو في الجبل، وأينما توجّهت ظنّت أن الخطر يداهمها من الأمام والخلف على السواء.
الإعراب: "فغدت": الفاء: حرف عطف، غدت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والفاعل: هي. "كلا": مبتدأ مرفوع بالضمة المقدّرة، وهو مضاف. "الفرجين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى. "تحسب": فعل مضارع مرفوع، وفاعله: هي. "أنّه": حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير في محلّ نصب اسم "أنّ". "مولى": خبر "أنّ" مرفوع، وهو مضاف. والمصدر المُؤوَّل من "أنّ" ومعموليها سَدَّ مَسَدّ مفعولي "تحسب". "المخافة": مضاف إليه مجرور. "خلفها": بدل من "مولى" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. "وأمامها": الواو: حرف عطف، "أمام": معطوف على "خلف" وهو مضاف، وها: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة "غدت ... ": معطوفة على جملة في البيت السابق. وجملة "كلا الفرجين ... ": الاسميّة في محل نصب حال تقديرها: "فغدت وكلا الفرجين ... ". وجملة "تحسب ... ": الفعليّة في محلّ رفع خبر المبتدأ.
والشاهد فيه قوله: "خلفها وأمامُها" بالرفع بدلًا من الخبر "مولى"، والثاني معطوف عليه، فدلّ ذلك على أن "خلف" و"أمام" من الظروف المتصرّفة التي تخرج أحيانًا عن النصب على الظرفيّة وعلى الجرّ بـ "من" متأثَّرة بالعوامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>