للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شأنُك"، و"ما لك" بمنزِلة "ما تصنع فصار كأنّك قلت: "ما صنعتَ وزيد". ولزم النصبُ ها هنا، لأنّه قد كان فيما يُمْكِن فيه العطفُ جائزًا، نحو قولك: "ما شأنُ عبدِ الله وزيدًا"، و"ما لزيدٍ وأخاه"، فصار هنا لازمًا، وهو من قبيلِ أَحْسَنِ القَبِيحَيْن، لأنّ الإضمار والحَمْلَ على المعنى فيه ضُعْفٌ مع جوازه، والعطفُ على المضمر المخفوضِ ممتنعٌ، فصار هذا كما لو تقدّمتْ صفةُ النكرة عليها من نحو [من مجزوء الوافر]:

٢٦٥ - لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلٌ ... [يلوحُ كأنَّه خِلَلُ]

لأنّ الحال من النكرة ضعيفٌ، وتقديمُ الصفة على الموصوف ممتنعٌ، فحُمل على الجائز، وإن كان ضعيفًا كذلك ها هنا، وأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

فَمَا لك والتلدُّدَ حَوْلَ نَجْدٍ ... وقد غَصَّتْ تِهامَةُ بالرِجال (١)

البيت لمِسْكِينٍ الدارِميّ، والشاهدُ فيه نصبُ "التلدّد" بإضمارِ فعل تقديرُه: ما تصنع وتُلابِس التلدّدَ. والمعنى: ما لك تُقِيم بنجدٍ تتردّد فيه مع جَدْبها، وتترُك تُهامةَ مع لَحاقِ الناس بها لخُصْبها. والتلدّد: الذَّهابُ والمَجِيءُ حَيْرَةٌ.

ومنه قولهم: "حسبُك وزيدًا درهمٌ"، و"كَفْيُك" و"قَطْك" في معنَى "حَسْبُك"، كلُّه منصوبٌ، لأنّه يقبحُ حملُه على الكاف، لأنّها ضميرٌ مجرورٌ، فحُمل على المعنى، إذ


٢٦٥ - التخريج: البيت لكثيِّر عزّة في ديوانه ص ٥٠٦؛ وخزانة الأدب ٣/ ٢١١؛ وشرح التصريح ١/ ٣٧٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٢٤٩؛ ولسان العرب ٦/ ٣٦٨ (وحش)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ١٦٣؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٤٧؛ وأوضح المسالك ٢/ ٣١٠؛ وخزانة الأدب ٦/ ٤٣؛ والخصائص ٢/ ٩٢؛ وشرح الأشموني ١/ ٢٤٧؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٦٦٤، ١٨٢٥؛ وشرح قطر الندى ص ٢٣٦؛ ولسان العرب ١١/ ٢٢٠ (خلل)؛ ومغني اللبيب ١/ ٨٥، ٢/ ٤٣٦، ٦٥٩.
اللغة والمعنى: الموحش: المقفر. الطلل: ما بقي شاخصًا من آثار الدار. الخلل: ج الخلّة، وهي الجلدة المنقوشة. يصف الشاعر منزل حبيبته الذي أصبح مقفرًا بعد ارتحالها عنه، وهو الآن شبيه بالخلل.
الإعراب: "لمية": اللام حرف جرّ، "ميّة": اسم ممنوع من الصرف، مجرور بالفتحة، والجار والمجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف. "موحشًا": حال منصوب. "طلل": مبتدأ مؤخّر. "يلوح": فعل مضارع مرفوع، والفاعل ... هو. "كأنّه": حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير في محلّ نصب اسم "كأن". "خلل": خبر "كأنّ" مرفوع.
وجملة "لميّة موحشًا طلل" ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة (يلوح ...) صفة لـ "طلل". وجملة (كأنّه خلل) صفة لـ "طلل" أيضًا.
والشاهد فيه قوله: "لميَّة موحشًا طللُ" حيث نصب "موحشًا" على الحال، وكان أصله صفة لِـ "طلل" فتقدَّمت على الموصوف، فصارت حالًا.
(١) تقدم بالرقم ٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>