للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لـ "زيدٍ" ويَتعلّق بِاستقرارٍ محذوفٍ على ما شرحنا. ويجوز أن ترفع "قائمًا" على الخبر، ويكون الظرفُ له. ويتعلّق به لا بمحذوف.

ومن ذلك "هذا عمرٌو منطلقًا" فـ "هذا" مبتدأٌ، و"عمرٌو" الخبرُ، و"منطلقًا" نصبٌ على الحال، والعاملُ فيه أحدُ شيئَيْن: إمّا التَّنْبِيهُ، وإمّا الإشارةُ. فالتنبيُه بـ "هَا"، والإشارةُ بـ "ذَا". فإذا أعملتَ التنبيهَ، فالتقديرُ: انْظُرْ إليه منطلقًا، أو انْتَبِهْ له منطلقًا. وإذا أعملتَ الإشارةَ، فالتقديرُ: أُشِيرُ إليه منطلقًا، والغَرَضُ أنّك أردتَ أن تُنبِّه المخاطَبَ لعمرٍو في حالِ انطلاقه، ولا بدّ من ذِكْرِ "منطلقًا"، لأَنَّ الفائدة به منعقِدةٌ، ولم تُرد أن تُعرّفه إيّاه، وأنت تُقدِّر أنّه يجهَله. كما تقول: "هذا عبدُ الله" إذا أردتَ هذا المعنى، ولا يُستبعد لُزومُ الحال ها هنا، فإنّه قد يتّصِل بالاسم والخبرِ ما ليس باسمٍ ولا خبرٍ، ولا يتِمّ الكلامُ إلَّا به، نحوُ قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (١)، فإنّه ليس باسمٍ ولا خبرٍ، ولو حُذف لَفسد الكلامُ، لأنّه معطوفٌ على الخبر، وهو جملةٌ، فلا بدّ من عائدٍ، والعائدُ "لَهُ"، ولو حُذف، لَبقيتِ الجملةُ الخبريّةُ بلا عائدٍ، ونظائرُ ذلك كثيرةٌ.

فإن قيل: فأنتم قد قررتم أنّ العامل في الحال يكون العاملَ في ذي الحال، والحالُ ها هنا في قولك: "هذا زيدٌ منطلقًا" من "زيد"، والعاملُ فيه الابتداءُ من حيثُ هو خبرٌ، والابتداءُ لا يعمل نصبًا. فالجوابُ أنّ هذا كلامٌ محمولٌ على معناه دون لفظه، والتقديرُ: أُشِيرُ إليه أو انْتَبِهْ له على ما تقدّم في قولنا، فهو مفعولٌ من جهة المعنى. وصل الفعلُ إليه بحرف الجرّ، فيكون من قبيلِ "مررتُ بزيدٍ قائمًا" فاعرفه.

ويجوز الرفعُ في قولك: "منطلقًا" من قولك: "هذا عبدُ الله منطلقًا". قال سيبويه (٢): هو عربيٌّ جيّدٌ، حكاه يُونُسُ وأبو الخَطّاب عن مَن يوثَق به من العرب. وارتفاعُه من وجوهٍ:

منها: أنّك حين قلت: "هذا عبدُ الله منطلقٌ" أضمرتَ "هَذَا" أو "هُوَ"، كأنّك قلت: "هذا منطلقٌ"، أو "هو منطلقٌ".

والوجه الآخَر: أن تجعلهما جميعًا خبرًا لهَذَا كقولك: "هذا حُلْوٌ حامِضٌ" لا تُريد أنّ تَنْقُض الحَلاوةَ، ولكن تزعُم أنّه قد جمع الطَّعْمَيْن، ونحوُه قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} (٣).

والوجه الثالث: أن تجعل "عبد الله" معطوفًا على "هَذَا" عَطْفَ بيان كالوَصْف، فيصير كأنّه قال: "عبدُ الله منطلقٌ".

ووجه رابع: أن تجعل "منطلقٌ" بَدَلًا من "عبد الله"، كأنّك قلت: "هذا عبدُ الله


(١) الإخلاص: ٤.
(٢) الكتاب ٢/ ٨٣.
(٣) المعارج: ١٥ - ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>