للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ "قَضَّها" منصوبٌ على الحال، وقد استُعمل على ضربَيْن: منهم مَن ينصبه على كلّ حال، فيكون بمنزلةِ المصدر المضاف المجعولِ في موضع الحال، كقولك: "مررتُ به وَحْدَه". ومنهم من يجعل "قَضَّهَا" تابعًا مُؤكِّدًا لما قبله، فيُجرِيه مُجْرَى "كُلّهِم"، فيقول: "أتتني سليمٌ قَضُّها بقضيضها"، و"رأيتُ سليمًا قَضَّها بقضيضها"، و"مررتُ بسليمٍ قضِّها بقضيضها"، ومعناه أَجْمَعِينَ. وهو مأخوذٌ من القَضّ، وهو الكَسْرُ، وقد يُستعمل في موضع الوقوع على الشيء بسُرْعَةٍ، كما يقال: "عُقابٌ كاسرٌ"؛ فكأنّ قضّهم وَقَعَ بعضُهم على بعض، وأمّا قولهم: "فعلتَه جَهْدَك، وطاقَتَك" فهو مصدرٌ في موضع الحال. فهو وإن كان معرفةً، فمعناه على التنكير، كانّه قال: "فعلتَه مجتهِدًا". وأمّا قولهم: "مررتُ بهم الجَمّاءَ الغَفِيرَ"، فهما من الأسماء التي تجيء بها مَجِيءَ المصادر. فالجمّاءُ اسمٌ، والغفيرُ نعتٌ له، وهو في المعنى بمنزلة قولك: "الجَمَّ الكثيرَ"، لأنّه يراد به الكثرةُ. والغفيرُ يراد به أنّهم قد غطّوا الأرض من كثرتهم من قولنا: "غفرتُ الشيء"، إذا غطّيته. ومنه المِغْفَرُ الذي يوضَع على الرأس، لأنّه يُغطّيه. ونصبُه على الحال لأنّهما قد جُعلا في موضع المصدر كالعِراك، كأنّك قلت: "الجُمومَ الغفيرَ" على معنى "مررتُ بهم جامِّين غافِرين". وذهب يونسُ (١) إلى أنّ "الجَمّاء الغفيرَ" اسمٌ لا في موضع مصدر، وأنّ الألف واللام في نِيَّةِ الطرْح. وهذا غيرُ سديد إذ لو جاز مثلُ هذا، لَجاز "مررت به القائمَ". فتنصِبه على الحال، وتَنْوِي بالألف واللام الطرْحَ، وذلك غيرُ جائز.

وتنكيرُ ذي الحال قبيحٌ. وهو جائزٌ مع قُبحه، لو قلت: "جاء رجلٌ ضاحكًا" لَقبُح مع جوازه، وجعلُه وصفًا لما قبله هو الوجهُ. فإن قدّمتَ صفةَ النكرة. نصبتَها على الحال، وذلك لامتناعِ جوازِ تقديمِ الصفة على الموصوف، لأنّ الصفة تجري مجرَى الصلة في الإيضاح، فلا يجوز تقديمُها على الموصوف، كما لا يجوز تقديمُ الصلة على الموصول. وإذا لم يجز تقديمُها صفةً، عُدل إلى الحال، وحُمل النصب على جوازِ "جاء رجلٌ ضاحكًا"، وصار، حينَ قُدّم، وَجْهَ الكلام، ويُسمِّيه النحويّون أحسنَ القبيحَيْن، وذلك أنّ الحال من النكرة قبيحٌ، وتقديمَ الصفة على الموصوف أقبحُ، قال الشاعر [من الطويل]:


= ومجرور متعلقان بحال من "قضها" وها: مضاف إليه محلها الجر. "تمسح": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله مستتر جوازًا تقديره (هي). "حولي": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتح المقدّر على ما قبل ياء المتكلم، والياء: في محل جر بالإضافة، و"حولي" متعلّق بـ "تمسح". "بالبقيع": جار ومجرور بدل من (حولي). "سبالها": مفعول به منصوب بالفتحة، وها: مضاف إليه محلها الجر.
وجملة "أتتني سليم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تمسح": حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: نصب "قضَّها" على الحالية مع أنه معرفة، والذي سَوَّغَ ذلك أنّ معناه التنكير.
(١) الكتاب ١/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>