للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصف غائضا غاصَ في الماء حتى انتصف النهار، ورفيقُه على شاطئ الماء لا يَدْرِي ما كان منه، فيقول: انتصف النهارُ على الغائص، وهذه حالُه. والهاءُ في "غامِرُه" ربطتِ الجملة بما قبلها حتى جرت حالًا، ومن ذلك قوله تعالى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (١)، والمعنى - واللَّهُ أعلمُ- يغشى طائفةً منكم في هذه الحال، وأمّا قول امرئ القيس [من الطويل]:

٢٨٦ - وَقَدْ أَغْتَدِي والطَّيْرُ في وُكُناتِها ... بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوَابِدِ هَيْكَلِ

فموضعُ الشاهد أنّه جعل الجملةَ التي هي: "والطيرُ في وكناتها" حالًا مع خُلُوِّها من عائدٍ إلى صاحب الحال اكتفاء برَبْط الواو. فهذه الواو، وما بعدها في موضع نصب على الحال بما قبلها من العوامل التي يجوز بها نصبُ الحال، وإذا قلت: "جاء زيدٌ وثوبُه نظيفٌ" [كانت] (٢) في موضع "جاء زيدٌ نظيفًا ثوبُه"، فكما أنّ "نظيفًا" نُصب بما قبله من الفعل، فكذلك الجملةُ الواقعةُ موقعَه في موضعِ منصوب، والعاملُ فيها ذلك الفعلُ.


= وجملة "نصف النهار": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "الماء غامره": في محل نصب حال. وجملة "ورفيقه لا يدري": حالية محلها النصب. وجملة "لا يدري": في محل رفع خبر.
والشاهد فيه قوله: "الماء غامره" حيث جاءت الجملة حالًا والرابط هو الهاء في "غامره".
(١) آل عمران: ١٥٤.
٢٨٦ - التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٩؛ وإصلاح المنطق ص ٣٧٧؛ وخزانة الأدب ٣/ ١٥٦، ٢٤٣؛ ولسان العرب ٣/ ٣٧٢ (قيد)، ١١/ ٧٠٠ (هكل)؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٤١٠، ٣/ ٤١؛ وخزانة الأدب ٤/ ٢٥٠؛ والخصائص ٢/ ٢٢٠؛ ورصف المباني ص ٣٩٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٦٢؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٤٨٧؛ والمحتسب ١/ ١٦٨، ٢/ ٢٤٣.
اللغة: الغدوة: الرواح صباحًا. الوكنة: عش الطير. منجرد: قصير الشعر. قيد الأوابد: ممسك بالوحوش السائمة. هيكل: ضخم الجثة.
المعنى: غالبًا ما أنهض قبل الطيور صباحًا، على فرسي الضخم للصيد، فيلحق بالطرائد ولا يترك منها حتى الوحوش الشاردة.
الإعراب: "وقد": الواو: بحسب ما قبلها، و"قد": حرف تكثير. "أغتدي": فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. "والطير": الواو: حالية، و"الطير": مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة. "في وكناتها": "في": حرف جر، "وكناتها": اسم مجرور، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبنيّ في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف. "بمنجرد": جار ومجرور متعلقان بالفعل "أغتدي". "قيد": صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة. "الأوابد": مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. "هيكل": صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.
وجملة "قد أغتدي": بحسب الواو. وجملة "الطير في وكناتها": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "الطير في وكناتها" إذ جاءت الجملة حالًا لفاعل مستتر دون عائد، وهذا مستهجن.
(٢) إضافة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>