للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا قوله: "فإن كانت الجملة اسميّةً فالواوُ"، فإشارةٌ إلى أنّه إذا وقعت الجملةُ الاسميّة حالًا، فيلزم الإتيانُ بالواو فيها، وليس الأمرُ كذلك، إنّما يلزم أن تأتيَ بما يُعلِّق الجملة الثانية بالأوُلى، لأنّ الجملة كلامٌ مستقِلٌّ بنفسه مُفيدٌ لمعناه، فإذا وقعت الجملةُ حالًا، فلا بدّ فيها ممّا يُعلِّقها بما قبلها، ويربِطها به، لئلّا يُتوهّم أنّها مستأنَفةٌ. وذلك يكون بأحدِ أمرَيْن: إمّا الواو، وإمّا ضمير يعود منها إلى ما قبلها على ما تقدّم. فمثالُ الواو: "جاء زيدٌ والأمير راكبٌ"، وقولُنا: "والأميرُ راكبٌ" جملةٌ في موضع الحال، ومثالُ الضمير "أقبل محمّدٌ يَدُه على رأسه". فقولُه: "يده على رأسه" جملةٌ في موضع الحال.

فأمّا قوله: "إلاّ ما شَذَّ من قولهم: "كلّمته فُوه إلى فيَّ""، فإن أراد أنّه شاذّ من جهة القياس، فليس بصحيح لما ذكرناه من وُجودِ الرابط في الجملة الحاليّة، وهو الضميرُ في "فوه". وإِن أراد أنّه قليلٌ من جهة الاستعمال، فقريبٌ، لأنّ استعمال الواو في هذا الكلام أكثر، لأنّها أَدَلُّ على الغرض، وأظهرُ في تعليق ما بعدها بما قبلها. فأمّا "لقيتُه عليه جُبَّةُ وشْيٍ" فيحتمل الجارُّ والمجرورُ فيه أمرَيْن: أحدُهما أن يكون في موضع نصب على الحال، ويتعلّق حينئذٍ بمحذوفٍ، ويكون ارتفاعُ "جبّةُ وشي" بالجار والمجرور ارتفاعَ الفاعل. وهذا لا خلاف في جوازه ها هنا لاعتماده على ذي الحال. والأمرُ الثاني أن يكون "جبّةُ وشي" مبتدأ، والجارُّ والمجرور الخبرَ، وقد تقدّم عليه، وهو شاهدٌ على جوازِ خُلُوِّ الجملة الاسميّة من الواو. وصاحبُ الكتاب خرّجه على الوجه الأوّلِ، لأنّه لا يَرَى خُلُوَّ الجملة الاسميّة من الواو، إذا وقعتْ حالًا. وقد يقع الفعلُ موقعَ الحال، إذا كان في معناه، وكان المرادُ به الحال المصاحِبةَ للفعل. تقول: "جاء زيدٌ يَضْحَكُ"، أي: ضاحكًا، و"ضربتُ زيدًا يَرْكَبُ"، أي: راكبًا. قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (١)، أي: ماشِيَةً. وقال الشاعر [من الطويل]:

٢٨٧ - مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءٍ نارِه ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقِدِ


(١) القصص: ٢٥.
٢٨٧ - التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص ٥١؛ وإصلاح المنطق ص ١٩٨؛ والأغاني ٢/ ١٦٨؛ وخزانة الأدب ٣/ ٧٤، ٧/ ١٥٦، ٩/ ٩٢ - ٩٤؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٦٥، والكتاب ٣/ ٨٦، ولسان العرب ١٥/ ٥٧ (عشا)؛ ومجالس ثعلب ص ٤٦٧؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٤٣٩؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٧١؛ وخزانة الأدب ٥/ ٢١٠؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٧٩؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٣؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٨٨؛ والمقتضب ٢/ ٦٥.
اللغة: تعشو إلى ناره: تأتيها في العشاء. تجد خير نار: تجد نارًا معدّة للأضياف.
الإعراب: "متى": شرطية جازمة في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بـ "تجد". "تأته": =

<<  <  ج: ص:  >  >>