قال:"وذلك أنّهم لا يَجِدون عِلْمًا من العُلوم الإِسلاميّه، فِقْهِها وكلامِها، وعِلْمَي تفسيرِها وأخبارِها، إلاَّ وافتقارُه إلى العربيّة بيّنٌ لا يُدْفع، ومكشوفٌ لا يتقنّع": المرادُ بـ"العلوم الإِسلامية": الفقه، وأصولُ الدِّبن، والأخبارُ عن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلومُ الكتاب العزيز. وإنمّا اقتصر على الفقه والكلام, لأنّ الفقه يشتمل على علم الكتاب والسُّنّةِ، كأنّه احترز عن علوم الأَوائل، نحو الحِكْمةِ والفَلْسَفَةِ والهَنْدَسَةِ؛ فإنّ أصول هذه العلوم يونانيّةٌ، ثم نُقلت إلى العربيّ، فمعانِي هذه العلوم لا تُعْرَف على الحقيقة إلاَّ بمعرفة ألفاظها، والوُصلَةُ إلى معرفة ألفاظها معرفةُ علم العربيّة.
وقوله:"وذلك بيّنٌ لا يُدْفَع، ومكشوفٌ لا يتقنّع"؛ أي: الافتقارُ إلى العربيّة ظاهرٌ لا يُمْكِن جُحودُه، وبادٍ لا يسعُ سَتْرُه.
...
قال:"ويَرَوْنَ الكلامَ في مُعظم أبواب أُصول الفقه ومسائلها، مبنيًّا على علم الإعراب، والتفاسيرَ مشحونةً بالروايات عن سِيبَوَيْه والأخفَش والكسائي والفَرّاء، وغيرهم من النحويّين البصريّين والكوفيّين، والاستظهارَ في مآخِذِ النُّصوص بأقاويلِهم، والتشبُّثَ بأهداب فَسْرِهم وتأويلِهِم".
"الاستظهارُ": الاستعانةُ، وهو"استفعالٌ"، من "الظهير" وهو: المُعين.
و"المآخِذُ": جمع "مأْخَذِ"، وهو اسمُ مكان، كـ"المَقْتَل" و"المَخْرَج"، لمكان القَتْل والخُروجِ.
و"النصوص": جمعُ " نَصٍّ"؛ وهو الكتابُ والسُّنَّة، وهو بمعنَى:"منصوصٍ عليه"؛ وأصلُ "النصِّ": الرَّفْعُ؛ يقال: نصّ الناقةَ يَنُصُّها؛ إذا رفعها في السير؛ ونصّ الحديث؛ إذا رفعه، وعزاه إلى صاحبه؛ ونص العَرُوسَ؛ إذا أقعدها على المِنَصَّة، وهو ما يُنصُّ من كُرسىّ، أو دَكَّةٍ، أو غير ذلك؛ أي: يُرفع.
و"التشبّث": التعلُّقُ؛ يقال: تَشَبَّثَ؛ إذا تَعَلَّقَ.
و"الأهداب": جمع "هُدْب"، وهو: طَرَفُ الثوب؛ يقال: تَعلَّقَ بأهداب الأدب وأذْيالِه؛ إذا كان له منه حظٌّ.
و"الفَسْرُ": الكَشْفُ، و"التفسير": "تفعيلٌ" منه، و"التأويلُ": "تفعيلٌ" من "آلَ يَؤول"؛ إذا رجع. والفرقُ بين "التفسير" و"التأويل": أنّ "التفسير": الكَشْفُ عن المراد من اللفظ، سواءٌ كان ذلك ظاهرًا في المراد أو غير ظاهر؛ و"التأويلُ": إنما هو صرفُ اللفظ عن الظاهر إلى غيره ممّا يحتمله اللفظُ؛ فإذن كل تأويلٍ تفسيرٌ، وليس كلّ تفسير تأويلاً.