قال: "وبهذا اللسان مناقلتُهم في العِلم، ومحاورتُهم، وتدريسُهم، ومناظرتُهم، وبه تقطُر في القراطيس أقلامُهم، وبه تسطُرُ الصُّكوكَ والسجلّاتِ حُكّامُهم".
"المناقلة": المحادثة؛ يقال: ناقلتُه الكلامَ؛ إذا حدّثتَه وحَدَّثكَ.
و"المحاورة": المجاوبة، وهو مداولة الجواب ومراجعتُه.
و"التدريس": مصدرُ درّس يُدرِّس تدريسًا، التضعيفُ فيه للتعدية؛ كان قبل التضعيف يتعدّى إلى مفعول واحد، نحو: "درستُ القرآنَ والدَّرْسَ"، و"درّستُه إيّاهما".
و"المناظرة": المجادلة، وهو "مُفاعَلَةٌ" من النظر, لأن كلّ واحد ينظر فيما يُفْلِج به على صاحبه، وقِل: هو من النظير، وهو المِثْل، فمعنى "المناظرة": المماثلةُ فيما هم فيه.
قوله: "وبه تقطر": "الهاءُ" ترجع إلى علم العربيّة والنحوِ، و"تقطر" تَسيلُ، يقال: قَطَرَ الماءُ وغيرُه يَقْطُرُ، وقَطَرْتُه أنا؛ يكون متعدّيًا وغير متعدّ، كـ"رَجَعَ ورَجَعْتُه".
و"القراطيس": جمع "قِرْطاس"، وهو ما يُكْتَب فيه، يقال: "قِرْطاسٌ" و"قُرْطاسٌ"، بكسر القاف وضمّها، ويقال: "قَرْطَسٌ" أيضًا، حكاها أبو زيد.
و"تسطر": تَكْتُبُ، وأصلُه الصَّفُّ، يقال: بني سَطْرًا، وغرس سطرًا، وسُمّيت الكتابة تسطيرًا لأنها تُعْمَل صُفوفًا. قال الراجز:
١٣ - إِنّي وأسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرًا (١)
و"الصكوك": جمع "صَكٍّ" وهو الكتاب. و"السجلّات": جمع "سِجِلٍّ"، وهو الكتاب أيضًا، مأخوذٌ من "السَّجْل"، وهو الدَّلْوُ المملوءةُ، لأنها تتضمن أحكامًا، و"الحُكَّام": القُضاة.
...
قال: "فهم ملتبسون بالعربيّة أيّةً سلكوا، غيرُ منفكّين منها أينما وجّهوا، كلٌّ عليها حيثُ سيّروا".
"ملتبسون بالعربّية": أي مخالطون وممازجون لها؛ من قولهم: تلبّستُ بالأمر والثوبِ، أي خالطتُه.
وقوله: "أيّةً سلكوا": أي أيَّ طريقٍ وأيَّ سبيل؛ لأنّ "السبيل" يُذكَّر ويُؤنَث؛ قال
(١) الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٤؛ وخزانة الأدب ٢/ ٢١٩؛ والخصانص ١/ ٣٤٠؛ والدرر ٤/ ٢٢؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٣؛ والكتاب ٢/ ١٨٥، ١٨٦؛ ولسان العرب ٥/ ٢١١ (نصر)؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٩٧؛ والأشباه والنظائر ٤/ ٨٦؛ ومغني اللبيب ٢/ ٣٨٨؛ والمقتضب ٤/ ٢٠٩. وسيأتي بالرقم ١٩٢.