للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشبه المميز بالمفعول أن موقعه في هذه الأمثلة كموقعه في ضرب زيد عمراً , وفي ضارب زيداً , وضاربان زيداً وضاربون زيداً وضرب زيدٍ عمراً.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ التمييز، والتفسير، والتبيين، واحدٌ، والمراد به رفعُ الإبهام، وإزالةُ اللَّبْس، وذلك نحو أن تُخْبِر بخَبَرٍ، أو تذكُر لفظًا يحتمل وُجوهّا، فيتردّدُ المخاطَبُ فيها، فتُنبِّهه على المراد بالنصّ على أحدِ محتملاته تبيينًا للغرض، ولذلك سُمّي تمييزًا وتفسيرّا.

وهذا الإبهام يكون في جملة ومفرد، فالجملةُ قولك: "طاب زيدٌ نفسًا، وتصبّب عَرقًا، وتفقّأ شَحْمًا" ألا ترى أنّ الطيبة في قولك: "طاب زيدٌ" مسنَدةٌ إليه، والمرادُ شيءٌ من أشيائه، ويحتمل ذلك أشياء كثيرةً كلِسانه وقَلْبه ومَنْزله وغيرِ ذلك، وكذلك التصبّبُ، والتفقّؤُ يكون من أشياءَ كثيرة، فجرت لذلك مجرَى "عِشْرينَ" في احتماله أشياء كثيرة. فكما أنّ إبانةَ "العشرين" بنكرةٍ جنسٍ، كذلك إبانةُ هذه الجمل بنكرة جنس.

وأمّا المفرد، فنحو قولك: "عندي راقودٌ خَلاّ، ورَطْلٌ زَيْتًا، ومَنَوان سَمْنًا" فالتمييز في هذه الأشياء لم يأت لرفع إبهام في الجملة، وإنما لبيانِ نوعِ الراقود، إذ الإبهامُ وقع فيه وحدَه لاحتماله أشياءَ كثيرة كالخَلّ والخَمْر والعَسَل، وغيرِ ذلك، ممّا نوعيٌّ، والراقودُ وِعاءٌ كالحُبّ.

وكذلك قولك: "عندي رطلٌ زيتًا". التمييزُ فيه لإبهامِ "الرطل"، إذ "الرطلُ" مقدارٌ يُوزَن به، ويحتمل أشياء كثيرة من المَوْزُونات، كالزيت والعسل والسمن، ويقال فيه: رِطْلٌ، ورَطْلٌ بكسر الراء، وفتحِها، فالكسرُ أقيْسُ، والفتح أفصحُ. وكذلك "المنوان" تثنيةُ "مَنا"، وهو مقدارٌ يوزن به، وكذلك باقِي الأمثلة. وهذا معنى قوله: "رفعُ الإبهام في جملة، أو مفرد، بالنصّ على أحدِ محتملاته".

وشرطُ التمييز أن يكون نكرةً جِنْسًا مقدَّرًا بـ "مِنْ"، وإنّما كان نكرةً لأنّه واحدٌ في معنى الجمع، ألا تراك إذا قلت: "عندي عشرون درهمًا"، معناه. "عشرون من الدراهم"، فقد دَخَلَه بهذا المعنى الاشتراكُ، فهو نكرةٌ.

ووجةٌ ثانٍ: أنّ التمييز يُشبِه الحالَ، وذلك أنّ كل واحد منهما يُذكر للبيان، ورفع الإبهام، ألا ترى أنّك إذا قلت: "عندي عشرون" احتمل أنواعًا من المعدودات، فإذا قلت: "درهمًا"، أو"دينارًا"، فقد أزلتَ ذلك الإبهامَ، واتّضح بذِكْره ما كان متردَّدًا مُبْهَمًا، كما أنَّك إذا قلت: "جاء زيدٌ"، احتمل أن يكون على صفاتٍ، فلّما قلت: "راكبّا" فقد أَوْضحتَ، وأزلتَ ذلك الإبهامَ، فلمّا استويا في الإيضاح والبيانِ، استويا في لفظ التنكير.

<<  <  ج: ص:  >  >>