للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يظهَر هذا الاسمُ المقدَّرُ على ما تقدّم في "خلَا"، و"عَدَا"؛ لأنّ هذه الأفعال أُنيبتْ في الاستثناء عن "إلّا"، فكما لا يكون بعد "إلّا" في الاستثناء إلّا اسمٌ واحدٌ، فكذلك لا يكون بعد هذه الأفعال إلّا اسمٌ واحدٌ, لأنّها في معناها. والكوفيون يقولون التقديرُ: لا يكون فَعْلُهم فَعْلَ زيد، أضمرتَ الفَعْل، وهو المضمر المجهول، ووضعتَ الاسم المنصوب موضعَ الفَعْل. وما ذهب إليه البصريون أمثلُ, لأنه أقلُّ إضمارًا، فكان أوْلى، وقد يكون "لَيْسَ"، و"لَا يَكُونُ" وصفَيْن لِما قبلهما من النكرات، تقول: "أتتْني امرأةٌ لا تكون هندًا"، فموضعُ "لَا تَكُونُ" رفعٌ بأنّه وصفٌ لامرأةٍ، وكذلك تقول في النصب، والجرّ: "رأيتُ امرأةً ليست هندًا, ولا تكون هندًا"، و"مررتُ بامرأةٍ ليست هندًا, ولا تكون هندًا"، ولا يوصَف بـ "خَلَا" و"عَدَا"، كما وُصف بـ "لَيْسَ"، و"لَا يَكُونُ". لا تقول: "أتتني امرأةٌ خلتْ هندًا، وعدتْ جُمْلاً"، وذلك أنّ "لَيْسَ"، و"لَا يَكُونُ" لفظُهما جَحْدٌ، فخالَفَ ما بعدهما ما قبلهما، فجريا في ذلك مجرى "غَيْرِ"، فوُصف بهما كما يوصَف بـ "غَيْرٍ"، وأمّا "خَلَا"، و"عَدَا"، فليس كذلك، وإنّما يُستثنى بهما على التأويل، لا لأنّهما جحدٌ، ولمّا كان معناهما المجاوَزةَ، والخروجَ عن الشيء، فُهم منهما مفارَقةُ الأوّل، فاستُثني بهما لهذا المعنى، ولم يوصَف بهما, لأنّ لفظهما ليس جحدًا، فيجرِيا مجرى "غيْرٍ".

فإن قيل: فما موضعُ "ليس"، و"لا يكون" من الإعراب في الاستثناء؟ قيل: يحتمل وجهَيْن:

أحدُهما: أنّ لا يكون لواحد منهما موضعٌ من الإعراب، بل يكون كلامًا مستأنَفًا، خُصّص به ذلك العامُ، كما يقول القائلُ: "جاءني الناسُ، وما جاءني زيدٌ" عقيبَ كلامه بجملةٍ من غير الكلام الأوّل بَيَّنَ بها خصوصَ الجملة الأوُلى، ومثلُه قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (١)، ثمّ قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (٢)، فجرى ذلك مجرَى "إلّا أنّ يكون له إخوةٌ".

والوجه الثاني: أنّ يكونا في موضع الحال، فإذا قلت: "جاءني القومُ ليس زيدًا، ولا يكون زيدًا"، فتقديرُه: جاءني القوم وليس بعضُهم زيدًا, ولا يكون بعضُهم زيدًا، كما تقول: "جاءني زيدٌ وليس معه عمرٌو". ويجوز إسقاطُ الواو، فتقول: "جاءني زيدٌ ليس معه عمرٌو"، فيلزَم إسقاطُ الواو في الاستثناء؛ لأنّ "لَيْسَ"، و"لا يَكُونُ" نائبان عن "إلّا"، ولا يكون مع "إلَّا" الواوُ، فكذلك في "لَيْسَ"، و"لا يَكُونُ" ويكون التقديرُ: جاءني القوم خالِينَ من زيدٍ، وعادِينَ عن زيد، وتكون الجملتان كلامًا واحداً، فاعرفه.

* * *


(١) النساء: ١١.
(٢) النساء: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>