للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الكتاب: "وما قدم من المستثنى, كقولك: "ما جاءني إلا أخاك أحدٌ". قال [من الطويل]:

٢٩٦ - وما لي إلا آل أحمد شيعةٌ ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب"

* * *

قال الشارح: هذا هو الوجهُ الثاني من الوجوه الثلاثة التي لا يكون المستثنى فيها إلّا منصوبًا، وذلك المستثنى إذا تقدّم على المستثنى منه. نحوَ قولك: "ما جاءني إلّا زيدًا أحدٌ"، و"ما رأيتُ إلّا زيدًا أحدا"، و"ما مررت إلّا زيدًا بأحدٍ"، وإنّما لزم النصبُ في المستثنى إذا تقدّم، لأنّه قبل تقدُّمِ المستثنى كان فيه وجهان: البَدَل والنصبُ، فالبدلُ هو الوجهُ المختارُ على ما سيُذكَر بعدُ، والنصبُ جائزٌ على أصلِ الباب؛ فلمّا قدّمتَه , امتنع البدلُ الذي هو الوجهُ الراجح, لأنّ البدل لا يتقدّم المُبْدَلَ منه من حيث كان من التوابع، كالنعْت، والتأكيدِ، وليس قبله ما يكون بدلاً منه، فتَعيّنَ النصبُ الذي هو المرجوحُ للضرورة، ومن النحويّين من يسمّيه أحسنَ القبيحَيْن. ونظيرُ هذه المسألة صفةُ النكرة إذا تقدّمتْ، نحو: "فيها قائمًا رجلٌ"، لا يجوز في "قائم" إلّا النصبُ، لأنّك إذا أخّرتَه، فقلت: "فيها رجلٌ قائمٌ"، جاز في "قائم" وجهان: الرفع على النعت والنصبُ على الحال، إلّا أنّ الحال ضعيفٌ, لأنّ نعتَ النكرة أجودُ من الحال منها، فإذا قُدَّم بطل النعتُ، وإذا بطل النعت، تَعيّنَ النصبُ على الحال ضرورة، فصار ما كان جائزًا مرجوحًا، مختارًا.


٢٩٦ - التخريج: البيت للكميت في شرح هاشميات الكميت ص٥٠؛ وتخليص الشواهد ص ٨٢؛ وخزانة الأدب ٤/ ٣١٤، ٣١٩، ٩/ ١٣٨؛ والدرر ٣/ ١٦١؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٣٥؛ وشرح التصريح ١/ ٣٥٥؛ وشرح قطر الندى ص ٢٤٦؛ ولسان العرب ١/ ٥٠٢ (شعب)؛ واللمع في العربية ص ١٥٢؛ والمقاصد النحوية ٣/ ١١١؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢/ ٢٦٦؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٠٨؛ ومجالس ثعلب ص ٦٢؛ والمقتضب ٤/ ٣٩٨.
اللغة: آل أحمد: أي أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الإعراب: "وما": الواو: استئنافية، و "ما": حرف نفي. "لي": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. "إلّا": حرف استثناء."آل": مستثنى منصوب، وهو مضاف. "أحمد": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلميّة ووزن الفعل. "شيعة": مبتدأ مرفوع. "وما": الواو: حرف عطف، و "ما": حرف نفي. "لي": جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف. "إلا": حرف استثناء "مشعَبَ": مستثنى منصرب، وهو مضاف. "الحق": مضاف إليه مجرور. "مشعبُ": مبتدأ مؤخّر مرفوع.
وجملة "ما لي إلّا آل أحمد شيعة": لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية أو استئنافية. وجملة "ما لي إلّا مشعب الحق مشعب": معطوفة على جملة "ما لي إلا آل أحمد شيعة".
والشاهد فيه: أنّ المستثنى "آل" لمّا تقدَّم على المستثنى منه "شيعة" تعيّن في المستثنى النصب، وهذا هو الوجه. وكذلك القول في "مشعب الحقّ مشعب".

<<  <  ج: ص:  >  >>