الطلاقُ الذي يقع بمثله الطلاقُ هو الثلاثُ، أو يكون موضِحًا للعزيمة على سبيل البدل، وتقع واحدةً لا غيرُ، ويجوز أن يكون المراد: أنت طالقٌ ثلاثًا، ثمّ فسّر ذلك بقوله: و"الطلاقُ عزيمةٌ ثلاثٌ"، كأنّه قال: والطلاقُ الذي ذكرتُه ونويتُه عزيمةٌ ثلاثٌ؛ فسّره بهذا الدليل، هذا إذا نوى "الثلاث"، ودليلٌ على ذلك قوله:"فبيني بها"، فهذا دليلٌ على إرادة الثلاثة والبَيْنُونَةِ؛ وأمّا إذا نصب "عزيمةً"، مع رفع "الثلاث"، فعلى إضمار فعل، كأنّه قال: والطلاقُ ثلاثٌ، أعزمُ عليك عزيمة؛ ويجوز أن يكون التقدير: والطلاقُ، إذا كان عزيمةً، ثلاثٌ؛ كما تقول:"عبدُ الله راكبًا أحسنُ منه ماشيًا"، والمرادُ: إذا كان ماشيًا، كما تقول:"هذا بُسْرًا أطيبُ منه رُطْبًا"، أي هذا إذا كان بسرًا أطيبُ منه إذا كان رطبًا.
وقوله:"ومن يخرق أعقُّ وأظلمُ"، قد حذف الفاء الذي هو جوابُ الشرط والمبتدأُ أيضًا، والمعنى: فهو أعقُّ وأظلمُ، وهو من ضرورات الشعر المستقبَحة.
ومن ذلك الفرق بين "إن" المكسورة الخفيفة وبين المفتوحة، وذلك أنّ المكسورة معناها الشرطُ، والمفتوحة معناها الغَرَضُ والعِلَّةُ، ولو قال: أنتِ طالقٌ إنْ دخلتِ الدار؛ لم يقع الطلاقُ حتّى تدخل الدار, لأنّ معنى تعليق الشيء على شرطٍ، هو وقوفُ دخوله في الوجود على دخول غيره في الوجود، ولو فتح "أَنْ" لكانت طالقًا في الحال؛ لأنّ المعنى أنتِ طالقٌ لأَنْ دخلتِ الدار، أي من أجلِ أنْ دخلت الدار، فصار دخولُ الدار علّة طلاقها، لا شرطًا في وقوع طلاقها كما كان في المكسورة؛ وكذلك لو شدَّد "أنْ" يقع الطلاقُ في الحال، كانت دَخَلَتِ الدار، أو لم تكن.
ومن ذلك:"إذا" و"مَتَى" و"كُلَّمَا" تُستعمل في الشرط، كما تُستعمل "إن"، إلّا أنّ الفرق بين هذه الأشياء وبين "إِنْ"، أنَّ "إِنْ" تُعلِّق فعلاً بفعل، و"إذَا" و"كُلَّمَا" للزمان المعيَّن، فإذا قال:"أنتِ طالقٌ إنْ دخلتِ الدار"، أو قال:"أنت طالقٌ إذا دخلتِ الدار"، لم تطلق حتّى تدخل الدار؛ أمّا "إِنْ" فشرطٌ لا يقع الطلاقُ إلّا بوجودِ ما بعدها، وأمّا "إذَا" فوَقْتٌ مستقبلٌ فيه معنى الشرط، فكأنّه قال:"أنتِ طالقٌ إذا جاء وقت كذا وكذا"، فهي تطلق وقتَ دخول الدار، فقد استوتْ "إِنْ" و"إِذَا" في هذا الموضع، في وقوع الطلاق، وتفترقان في موضع آخَر، فلو قال:"إذا لم أطلّقك، أو متى لم أطلّقك، فأنت طالقٌ"، وَقَعَ الطلاقُ علىّ الفَوْرِ بمُضِيّ زمان يُمْكِن أن تُطَلَّق فيه، ولم تُطَلَّق؛ ولو قال:"إن لم أطلّقك فأنت طالقٌ"، كان كأنّه على التراخي يمتدّ إلى حين موتِ أحدهما، وذلك لأنّ "إذا" و"مَتَى" اسمان للزمان المستقبل، ومعناهما:"أيَّ وقتٍ"، ولهذا تقع جوابًا عن السؤال عن الوقت، فإذا قيل:"متى ألقاك"؟ فيقال:"إذا شئتَ"، كما تقول:"يومَ الجُمْعَةِ، أو يومَ السَّبْتِ"، ونحوهما، وليست كذلك "إِنْ"، ألا ترى أنّه لو قيل:"متى ألقاك"؟ لم يُقَلْ في جوابه: "إِنْ