شئتَ"، وإنّما تُستعمل "إِنْ" في الفعل، ولهذا يُجاب بها عن سؤالٍ عن الفعل، فإذا قيل: هل تأتيني؟ فيقال في الجواب: "إِن شئتَ".
و"مَتَى" حالُها كحالِ "إِذَا" في أنّها للزمان، وليس في هذه الكلم ما يقتضي التكرارَ إلّا "كُلَّمَا"، وذلك أنّك إذا قلت: "كلّما دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ" طلقت بكل دخولٍ، إلى أَنْ ينتهي عددُ الطلاق, لأنّ "ما" مِنْ "كُلَّمَا" مع ما بعده مصدرٌ، فإذا قال: "كُلَّما دخلتِ" فمعناه: كلَّ دخولِ يُوجَد منكِ فأنتِ به طالقٌ؛ و"كُلٌّ" معناه: الإحاطةُ والعُمُومُ، فلذلك يتناول كل دخول.
* * *
وقوله: "وهلّا سفّهوا رَأْيَ محمّد بن الحَسَنُ الشَّيبانيّ - رحمه الله - فيما أودع كتابَ "الأيَمان""، وهو صاحب الإِمام أبي حنيفة -رضي الله عنهما- وذلك أنّه ضمّن كتابه المعروفَ بـ"الجامع الكبير" في كتاب "الأيمان" منه مسائلَ فقهٍ تُبتنى على أصول العربيّةِ، لا تتضِحُ إلّا لمن له قَدَمٌ راسخٌ في هذا العلم، فمن مسائله الغامضة أنَّه إذا قال: "أيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فهو حُرٌّ"، فَضَرَبَهُ الجميعُ عَتَقُوا، ولو قال: "أيُّ عبيدي ضربتَه فهو حرٌّ"، فَضَرَبَ الجميعَ، لم يعتق إلّا الأوّلُ منهم؛ فكلامُ هذا الحِبر مَسُوقٌ على كلام النحويّ في هذه المسألة، وذلك من قِبَل أنّ الفعل في المسألة الأولى مسندٌ إلى عامٍّ، وهو ضميرُ "أيٍّ"، و"أَيٌّ": كلمةُ عُموم؛ وفي المسألة الثانية خاصٌّ, لأنّ الفعل فيه مسندٌ إلى ضمير المخاطَب، وهو خاصٌّ، إذ الراجع إلى "أَيٍّ" ضميرُ المفعول، والفعلُ يصير عامًّا بعُموم فاعله، وذلك أنّ الفاعل كالجُزء من الفعل، وإنّما كان كذلك, لأنّ الفعل لا يَستغني عنه، وقد يُستغنى عن المفعول، فكأنّه أحدُ أجزائه التي لا يُستغنى عنها، ويدلّ على ذلك أُمورٌ:
الأوَّلُ: منها أنّه متى اتّصل بالفعل الماضي ضميرُ الفاعل سكن آخِرهُ، نحو: "ضَرَبْتُ" و"ضَرَبْنَا"، وذلك لئلّا يجتمع في كلمةٍ أربعُ حركاتٍ لوازمَ لو قيل: "ضَرَبْتُ"، ولا يلزم ذلك في المفعول لأنّه فَضْلَةٌ، فهو كالأجْنَبيّ من الفعل.
الثاني: أنك تقول: "قامت هندٌ وقعدتْ زَيْنَبُ"، فتُؤنِّث الفعلَ لتأنيث فاعله، والقياسُ أن لا يلحق الكلمةَ عَلَمُ التأنيث إلّا لتأنيثها في نفسها، نحو "قائمةٍ" و"قاعدةٍ"، وأمّا أن تلحق الكلمةَ العلامةُ، والمرادُ تأنيثُ غيرها، فلا، فلولا أنّ الفعل والفاعل ككلمةٍ واحدةٍ، لَمَا جاز ذلك.
الثالث: أنّك تقول: "يضربان"، و"تضربان"، و"يضربون"، و"تضربون"، و"تضربين"، فالنونُ في هذه الأفعال علامةُ الرفع، وقد تخلَّل بينه وبين المرفوع ضميرُ الفاعل، وهو الألفُ والواو والياءُ في "يضربان" و"يضربون" و"تضربين"، فلو لم يكن الفاعلُ والفعلُ عندهم كشيءٍ واحدٍ، لَمَا جاز الفصل بين الفعل وإعرابه بكلمةٍ أُخرى،