واللام لا يكون إلاّ معرفةً، ولم يُمْكِن اعتقادُ التنكير مع وُجودهما. فأمّا "الخمسةُ الأثوابِ" و"الأربعةُ الغِلْمانِ"، فهو شيءٌ صار إلى جَوازه الكوفيون، فأمّا على أصل أصحابنا، فإذا قلت: "ثلاثةُ دراهمَ"، وأردتَ تعريفَ الأوّل منهما؛ عرّفتَ الثاني, لأنّ الأوّل يكون معرفةٌ بما أضفتَه إليه. ألا ترى أنّك تقول: "هذا غلامُ رجلٍ" فيكون نكرةً، فإذا أردتَ تعريفَه، قلت: "هذا غلامُ الرجل، وصاحبُ المال"؟ وكذلك "هذه ثلاثةُ الدراهمِ، وخمسةُ الأثوابِ"، فأمّا قول الشاعر [من الكامل]:
ما زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَداهُ إزارَهُ ... فَسَمَا وأَدْرَكَ خمسةَ الأشْبارِ
فالبيت للفَرَزْدَق، وبعدَه:
يُدْنِي خَوافِقَ مِن خوافقَ تَلْتَقِي ... في ظِلِّ مُعْتَبَطِ الغُبارِ مُثارِ
والشاهد فيه تعريفُ الثاني بالألف واللام، والاكتفاءُ بذلك عن تعريف الأوّل. يمدَحُ بذلك يزيدَ بن المُهلَّب، أي: ما زال مُذ كان صغيرًا إلى أن مات يقود الجُيوشَ، ويحضُر الحُروب. وعَنَى بالخوافق الراياتِ. ومُعْتَبَطُ الغُبارِ: مكانُه، فكأنّه لم يُقاتَل فيه قبلُ، ولا أثار غيرُه غبارَه، من قولهم: "مات فلانٌ عَبْطَةٌ"، أي: شابًّا. وقوله: "مذ عقدت يداه إزارَه" إشارةٌ إلى حالِ الصّغَر، وأوائلِ العَقْل، وعَنَى بخمسة الأشبار القَبْرَ، أي: ما زال أميرًا مذ عَقَلَ إلى أن مات، وأمّا قول الآخر [من الطويل]:
وهَلْ يَرْجِعُ التَّسْلِيمَ أو يَكْشِفُ العَمَى ... ثلاثُ الأَثافِي والرُّسومُ البَلاقِعُ
البيت لذي الرُّمّة، والشاهدُ فيه تعريفُ "الأثافي" حين أراد تعريفَ ما أُضيف إليه،
وهو "الثلاثُ". ولم يحتج مع ذلك إلى الألف واللام. والأَثافِي للقِدْر أن توضَع ثلاثةُ
أحجارٍ، ثمّ يوضَع القدرُ عليها عند الاطّباخ. والبَلاقِع: جمعُ بَلْقَع، وهو الخَرابُ.
وأصله الأرضُ التي لا شيء فيها. والرُّسوم: جمعُ رَسْمٍ، وهو ما بقي من آثار الدّيار.
يقول: إِنّ الأثافي، ورسومَ الدار لا تردّ سلامًا, ولا تُنبَّىء عن خبرٍ إذا استُخبرت، وهو
معنى قوله: "أو يكشف العَمَى".
فأمّا ما تَعلَّق الكوفيون من إجازته، وتشبيهِه بـ "الحَسَن الوَجْهِ"؛ فليس بصحيح، لأنّ المضاف في "الحسن الوجهِ" صفةٌ، والمضافُ إليه يكون منصوبًا ومجرورًا. وإنّما ذلك شيءٌ رواه الكِسائيُّ، وقد روى أبو زيد، فيما حكى عنه أبو عمر الجَرْميُّ، أنّ قومًا من العرب يقولونه غيرَ فُصحاءَ، ولم يقولوا: "النصْفُ الدرهمِ"، ولا "الثُّلْثُ الدرهم" وامتناعُه من الاطّراد في أجزاء الدرهم يدلّ على ضُعْفه في القياس.
* * *