للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون أصلاً. فأمّا انقلابها مع المضمر ياء؛ فعلى التشبيه بألفِ "عَلَى" و"إِلَى" على ما سيُوضَح أمره إن شاء الله تعالى. وأمّا "لَدُ" بالضمّ؛ فمحذوفةٌ من "لَدُنْ". قال الراجز:

٣٥٢ - يَسْتَوعِبُ البَوْعَيْن مِن جَرِيره ... مِن لَدُ لَحْيَيْهِ إلى حُنْجُوره

والذي يدلّ أنّها منتقِصةٌ منها أنّها لو كانت أصلاً على حِيالها, ولم تكن مخفَّفةً من "لَدُنْ"، لكانت ساكنةً على أصل البناء، ومثلُه قولهم: "رُبَ"، و"رُبَّ" مخفَّفةً، ومشدَّدةً، أبقوا حركتَها بعد الحذف، ليكون ذلك دلالةً على أنّها منتقصةٌ من غيرها, وليست أصلاً قائمًا بنفسه.

ومن قال "لُدُ" بضمّ الفاء، والعين فإنّه أتبع الضمَّ الضمَّ بعد حذفِ اللام.

ومن قال "لَدْنِ" بفتح الفاء، وسكون العين، وكسر النون؛ فإنّه كسر النونَ لالتقاء الساكنَيْن بعد حذفِ حركةِ العين، وذلك على أصلِ التقاء الساكنَيْن. ومَن فتح النونَ؛ فهو لالتقاء الساكنَيْن، وقَصْدِ التخفيف، كـ "أَيْنَ" و"كَيْفَ".

وأمّا من قال: "لَدْ" بسكون الدال، وفتح الفاء، فإنّه بناءٌ على السكون بعد الحذف، جعلها قائمةً بنفسها.

فإن قيل: ولِمَ بُنيتْ "لَدُنْ"، ولم تكن معربةً كـ "عِنْدَ"؟ قيل: لمّا لم يتجاوزوا بـ "لَدُنْ" حَضْرَةَ الشيء، والقُرْبَ منه، ولم يتصرّفوا فيه بأكثرَ من ذلك، جرتْ مجرَى الحرف الموضوع بإزاءِ معنى، لا يتجاوزُه، فبُنيت لذلك كبِنائه. وأمّا "عِنْدَ" فتَوسّعوا


٣٥٢ - التخريج: الرجز لغيلان بن حريث في شرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٨٠؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٦١؛ ولسان العرب ٥/ ١٩٨ (نخر)، ١٣/ ٣٨٤ (الدن)؛ وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢/ ٢٣٣؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٦٩.
اللغة: البَوْعُ لغة في (الباع)، وهو مسافة ما بين الكفين إذا بسَطْتهما. الجَرير: الحبل. اللَّحْيُ: العظم الذي ينبت على الأسنان. الحنجور: الحلقوم، وهو موضع النحر.
المعنى: يريد أنْ طول الحبل الذي هو مقوده من لَحْيَيه إلى موضع نحره مقدار باعين، وهو يشير بذلك إلى طول عنق هذا الجمل.
الإعراب: "يستوعب": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل مستتر جوازًا تقديره: وهو. "البوعين": مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. "من جريره": جار ومجرور متعلقان بحال من البوعين، والهاء: ضمير متصل مبني في محلّ جر مضاف إليه. "من لدُ": جار ومجرور متعلقان بحال من "جريره". و"لدُ": مبني على الضم في محل جر، وهو مضاف. "لحييه": مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء, لأنَّه مثنى، والهاء: مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر. "إلى حنجوره": جار ومجرور متعلقان بحال من "جريره".
وجملة "يستوعب": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه أن "لدُ" محذوفة النون من "لدن"، والنون منويةٌ فيها، فلذلك بقيت الدال على حركتها قبل الحذف، ولو كانت "لَدُ" مما بُني على حرفين أصلًا للزمها البناء على السكون.

<<  <  ج: ص:  >  >>