للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنّ من الأسماء أسماءً غيرَ ظروف، تضاف إلى ما بعدها، وهي على ضربَيْن: لازمةٌ للإضافة، وغيرُ لازمة. فاللازمةُ نحو: "مِثْلٍ"، و"شِبْهٍ"، و"نَحْوٍ"، و"غَيْرٍ"، ونحوِها ممّا ذكرها صاحبُ الكتاب. وأمّا "مِثْلٌ" و"شِبْهٌ" فبمعنًى واحدِ، و"غيرٌ" و"بَيْدٌ" بمعنى واحد، و"قِيد" و"قِدًا" و"قابٌ" و"قِيسٌ" بمعنَى مقدارِ الشيء. يقال: "بيني وبينه قيدُ رُمْحٍ، وقابُ رمح، وقيسُ رمح". قال الله تعالى: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (١). و"قيسُ رمح" بمعنَى: قَدْرِ رمح. والقَدَرُ والقَدْرُ بالفتح والسكون واحدٌ، وهو مَبْلَغُ الشيء. فهذه الأسماءُ كلُّها تلزم الإضافةَ، ولا تُفارِقها. وإذا أُفردتْ كان معناها على الإضافة، ولذلك لا يحسُن دخولُ الألف واللام عليها، فلا يقال "المِثلُ"، ولا "الشِّبْهُ"، ولا "الكُلُّ"، ولا "البَعْضُ", لأنّ ذلك كالجمع بين الألف واللام، ومعنى الإضافة من جهةِ تضمُّنها معنى الإضافة. فصارت الإضافةُ فها كالملفوظ بها، وذلك من قِبَل أنّ "مِثْلًا" يقتضي مُماثِلًا، و"شِبْهًا" يقتضي مُشبَّهًا به، وكذلك سائرُهما من نحو "قيد"، و"قدًا"، و"قاب"، و"قيس" كلُّها مَقاديرُ لا تُذكَر إلاّ مع المقدَّر به.

وكذلك "أَيٌّ"، و"بعضٌ"، و"كلٌّ"، و"كِلًا"، الإضافة فيها لازمةٌ؛ أمّا "أَيٌّ"، فإنّها اسمٌ مبهمٌ يقع على كلّ شيء ممّن يعقِل، وما لا يعقل من حَيَوان، وغيرِه، فافتقر إلى الإضافة للإيضاح، كافتقارِ الموصول إلى الصلة، وهي بعضُ ما أُضيفت إليه. فإذا قلت: "أيُّ القوم"، كانت من القوم، وإذا قلت: "أَيُّ الثِّياب" فهي من الثياب. فلُزومُها الإضافةَ لذلك. و"بَعْضٌ" يُفيد البعضيّةَ، فهو يقتضي الشيءَ المبعَّضَ. و"كُلٌّ" اسمٌ لأَجْزاءِ الشيء، فهو يقتضي المجزَّأَ، و"كِلا" اسمٌ مفردٌ عندنا معناه التثنيةُ، ولا يدلّ بلفظه على جنسِ ذلك المثنَّى، فلزمت إضافتُه إلى جنسه، ليُعْلَمَ، نحوَ: "جاءني كِلَا أَخَوَيْك"، و"رأيت كلا أخوَيْك"، و"مررت بكلا أخويك"، ويكون تأكيدًا للمثنّى، نحو: "جاءني الرجلان كِلاهما"، و"رأيت الرجلَيْن كِلَيْهما"، و"مررت بالرجلَيْن كِلَيْهما"، فتلزم إضافتُها إلى ضميرِ المؤكَّد ليُعلَم أنّها تأكيدٌ له، وليست اسمًا شائعًا، بخلافِ "أَجْمَعَ"، و"أجْمَعِينَ"، ونحوِهما، فإنّها لا تَلِي العواملَ، ولا تكون إلَّا تأكيدًا، فاستغنتْ عن الإضافة.

ومنها "ذُو" التي بمعنَى صاحبٍ، فإنّك تقول: "هذا رجلٌ ذو مالٍ"، و"رأيت رجلًا ذَا مال"، و"مررت برجلٍ ذي مال"، أي: صاحب مال. وتقول في التثنية: "هذان رجلان ذَوَا مال"، وأصلُه "ذَوَانِ"، وإنّما حُذفت نونُه للإضافة، وفي النصب والجرّ، نحوَ: "رأيت رجلَيْن ذَوَيْ مال"، و"مررتُ برجلَيْن ذَوَيْ مال". وتقول في الجمع: "هؤلاء رِجالٌ ذَوُو مال"، و"رأيت رجالًا ذَوِي مال"، و"مررت برجالٍ ذَوِي مال". وأصلُه "ذَوُونَ"، و"ذَوِينَ", لأنّه جمعُ سَلامة. وإنّما حُذفت نونُه للإضافة، وإنّما جُمع جمعَ السلامة, لأنّه


(١) النجم: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>