للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُصف به من يعقِل، فجرى مجرَى "مُسلمين"، و"صالحين". وتقول في المؤنّث "ذاتٌ"، نحُو: "هذه امرأةٌ ذاتُ جَمالٍ ومالٍ". والتثنيةُ: "ذَوَاتَا". قال الله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} (١). والجمعُ "ذَوَاتٌ" و"أُولُو" أيضًا جمعَ سلامة، والواحدُ "ذُو". قال الله تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} (٢). وقال الله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (٣). والمؤنّثُ "أُولاتُ". وقال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٤). جاء الجمعُ ههنا على غيرِ واحده المستعملِ. وقياسُ واحده "أُلٌ" مثلُ "عَم"، و"شَجٍ"، فهي في السلامة بمنزلةِ "المَذاكير" و"المَلامحِ" في التكسير، جاء على ما لم يُستعمل.

وإنّما لزمتْه الإضافةُ, لأنّ المضاف إليه هنا هو المقصودُ. وذلك أنّهم أرادوا وَصْفَ الأسماء بالأجناس، نحوَ: "هذا رجلٌ مالٌ"، فلم يَسُغ ذلك، فأتوا بـ "ذِي" التي بمعنى صاحب، وأُضيفت إلى اسم الجنس، وجعلوها وُصْلَةً إلى وصفِ الأسماء بالأجناس، كما كانت "أَيٌّ" وصلةً إلى نداءِ ما فيه الألفُ واللام. وكانت الإضافةُ لازمةً، كما كان النعتُ لازمًا، لـ "أيِّ" في النداء، نحوِ: "يا أَيُّهَا الرجلُ"، و"يا أَيُّهَا الغلامُ".

ومن ذلك "قَدْ"، و"قَطْ"، و"حَسْبُ" كلُّها بمعنى واحد إلَّا أن "قَدْ" و"قَطْ" مبنيّان على السكون، و"حَسْبُ" معربةٌ. وذلك من قِبَل أنّ "قد"، و"قط" وقعا موقعَ فِعْلٍ الأمر في أوّل أحوالهما، فبُنِيَا كبِنائه. تقول: "قَدْكَ درهمان"، و"قَطْكَ ديناران"، أي: اكتَفِ بذلك، واقْطعْ. و"حَسْبُ" اسمٌ متمكِّنٌ أُريد به معنى الفعل بعدَ أن وقع منصرِفًا, ولم يُوقَع موقعَ الفعل في أوّلِ أحواله. ألا ترى أنّك تقول: "أَحْسَبَني الشيءُ إحسابًا" أي: كَفاني، ويقال: "هذا لك حِسابٌ" أي: كافٍ؟ قال الله تعالى: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} (٥)، فانصرف "حَسْبُ" ولم يُبْنَ كِبناءِ "قَدْ"، و"قَطْ".

واشتقاقُ "قَدْ" من "قَدَدْتُ الشيء". واشتقاقُ "قَطْ" من "قططتُ الشيءَ" إذا قطعتَه، فأصلُهما لذلك التثقيلُ، وإنّما خُفّفتا بحذفِ لامَيْهما، وغلب عليهما التخفيفُ لكثرةِ استعمالهما. وإنّما لزمت هذه الأسماءُ الإضافةَ، لأنّها واقعةٌ موقعَ فعلِ الأمرِ. وفعلُ الأمر لا بد له من فاعل، ولم تكن هذه الأسماء ممّا يَرْفَع، فأُضيفت إلى الفاعل. فإذا قلت: "قَدْكَ"، و"قَطْكَ"، فكأنّك قلت: "اكْتَفِ"، و"اقْطَعْ"، فالفاعلُ مضمرٌ. وإذا قلت: "قَدْ زيدٍ"، أو "قَطْ عمرِو"، فكأنّك قلت: "لِيَكْتَفِ زيدٌ، أو عمرٌو بذلك". وقد يدخل "قَدْ"، و"قَطْ" نونُ الوِقاية، فيقال: "قَدْنِي"، و"قَطْني" مُحافَظةً


(١) الرحمن: ٤٨.
(٢) النمل: ٣٣.
(٣) فاطر: ١.
(٤) الطلاق: ٤.
(٥) النبأ: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>