للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون تلك المعرفةُ ممّا يتبعّضُ، وذلك بأن تكون المعرفة: إمّا تثنيةً، أو جمعًا، نحوَ قولك: "أيُّ الرجلَيْن عندك"، و"أيُّ الرّجال"، و"أيَّهما رأيتَ"، و"أيُّهم مررتَ به". وتقول: "أيُّ مَن رأيتَ أفضلُ", لأنّ "مَنْ" قد تعنى بها الكثرةَ، وإن كان لفظُها واحدًا. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (١)، وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (٢)، فحُمل مرّةً على اللفظ، ومرّةً على المعنى. ومنه قولُ الشاعر [من الطويل]:

٣٥٨ - تَعَشَّ فإِنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ... نَكُنْ مِثْلَ مَن يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ

ثَنَّى العائدَ حين عَنَى اثنين، ولا يكون "مَنْ" في قولك: "أَيُّ مَن رأيتَ أفضلُ" إلَّا موصولةً لا غيرُ، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: رأيتَه، كقوله سُبحانَه: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (٣)، والمعنى: بَعَثَهُ، ولا يكون "مَن" استفهامًا هنا, ولا جزاءً, لأنّ "أيًّا" لا يضاف إلى الجُمَل.

فأمّا تمثيلُه بـ "أيُّ الذي لقيتَ أَكرمُ"، ففيه نَظَرٌ. والصوابُ: "أيُّ اللذَيْن أو الذين" بلفظ التثنية، أو الجمع. وإن صحّت الروايةُ عنه بلفظِ الواحد، فمُجازُه أنّ "الّذِي" قد يراد


(١) الأنعام: ٢٥؛ ومحمد: ١٦.
(٢) يونس: ٤٢.
٣٥٨ - التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ٢/ ٣٢٩؛ وتخليص الشواهد ص ١٤٢؛ والدرر ١/ ٢٨٤؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٨٤؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٣٦؛ والمقاصد النحوية ١/ ٤٦١؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٢٢؛ وشرح الأشموني ١/ ٦٩؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٢٩؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧٣؛ ولسان العرب ١٣/ ٤١٩ (منن)؛ والمحتسب ١/ ٢١٩؛ والمقتضب ٢/ ٢٩٥، ٣/ ٢٥٣.
المعنى: تَعَشَّ أيها الذئب، فإن واثقني على عدم الغدر، نكن صديقين لا يغدر أحدنا بصاحبه. الإعراب: "تَعَشَّ": فعل أمر مبني على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت. "فإن": الفاء: استئنافية، إن: حرف شرط جازم. "عاهدتني": فعل ماضٍ مبني على السكون والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "لا تخونني": لا: نافية، تخون: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت. "نكن": فعل مضارع ناقص، مجزوم، واسمها ضمير مستتر وجوبًا تقديره: نحن. "مثل": خبرها منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "من": اسم موصول في محل جر بالإضافة. "يا ذئب": يا: حرف نداء، ذئب: منادى نكرة مقصودة مبني على الضمة في محل نصب. "يصطحبان": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون عوض عن التنوين.
وجملة "تَعَشَّ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "فإن عاهدتني نكن مثل ... ": استئنافية. وجملة "لا تخونني": في محل نصب حال. وجملة "نكن مثل ... ": جواب شرط لا محل لها لعدم الاقتران بالفاء أو إذا. وجملة "عاهدتني": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "يا ذئب": اعتراضية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يصطحبان": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "من يصطحبان": حيث ثنى الفعل العائد على (من) حملًا على المعنى.
(٣) الفرقان: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>