للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها الكثرةُ، نحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} (١)، فعاد الضميرُ إلى "الذي" مرّةً مفردًا، ومرّةً مجموعًا، كما كان في "مَنْ" كذلك، وهو قليلٌ في "الذي".

ولو قلت: "أَيُّ زيدٍ أحسنُ"، فمُجازُه من وجهَيْن: أحدُهما أن يريد النكرةَ لمُشارِكٍ له في اسمه، فأجراه مُجرى الأنواع، نحوِ: "رجلٍ"، و"فرسٍ"، كما أجراه كذلك وأدخل عليه الألفَ واللام في قوله [من الرجز]:

بَاعَدَ أُمَّ العَمْرِو مِن أَسِيرها ... حُرّاسُ أَبْوابٍ على قُصُورها (٢)

والوجه الثاني: أن يريد: أيُّ شيءٍ من أعضائه أحسنُ: أَعَينُه، أم أَنْفُه، أم حاجِبُه، ونحو ذلك.

فأمّا قولهم: "أَيّى وأَيُّكَ كان شَرًّا، فأخزاه اللَّهُ"، فأضاف "أيًّا" إلى المضمر الذي هو ضميرُ النفس، وهو معرفةٌ، فإنما سوّغ ذلك أنّه عطف عليه ضميرَ المخاطَب بإعادةِ الخافض بالواو. الواوُ لا تدلّ على الترتيب، وإنمّا تجمع بين الشيئيْن، أو الأشياءِ فقط، وصار ذلك بمنزلةِ التثنية والجمع، كأنّك قلت: "أَيُّنَا". فهو كقولك: "أخزى اللَّهُ الكاذبَ منّي ومنك"، والمراد: منّا. وكقولك: "هو بَيْني وبينك"، والمراد: بيننا. والفرقُ بينهما أنّك إذا قلت: "أَيُّنَا"، فقد اشتركا في "أيٍّ". وإذا قلت: "أَيِّي وأَيُّكَ"، فقد أخلصتَه لكلٍّ واحد منهما. فهو أبلغُ.

فأمّا بيتُ العَبّاس بن مِرْداسٍ [من الوافر]:

فأَيّى ما وأَيُّكَ كان شَرًّا ... إلخ.

وبعده:

ولا وَلَدَتْ لهم أبَدًا حَصانٌ ... وخالَفَ ما يُرِيدُ إذا بَغَاها

فالشاهد فيه إفرادُ "أَيٍّ" لكل واحد من الاسمَيْن، وإخلاصُه له توكيدًا، والمستعمَلُ

إضافتُه إليهما معًا، فيقال "أَيُّنَا"، والمرادُ: أيّنا كان شرًّا من صاحبه، فقِيدَ إلى المقامة لا

يَراها. أي: أعماه اللَّهُ. والمَقامةُ: جماعةُ الناس. وقولُه: "لا يراها" أي: يَعْمَى عن

رُؤْيَتهم. ويروى: إلى المَنِيَّة، أي: جاءته المنيّةُ، ويدعو عليهم في البيت الثاني بانقطاعِ

النَّسْل، ومثلُه قولُ جُمَيْحٍ [من الطويل]:

٣٥٩ - وقد عَلِمَ الأقْوامُ أيَّي وأَيُّكُم ... بَنِي عامِرٍ أَوْفَى وَفاءً وأَكْرَمُ


(١) البقرة: ١٧.
(٢) تقدم بالرقم ٦٩.
٣٥٩ - التخريج: البيت للجميح بن الطماح في نوادر أبي زيد ص ٢٠؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١٤/ ٥٦ (أيا).

<<  <  ج: ص:  >  >>