للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكمُ "كِلْتَا" حكمُ "كِلا"، إلّا أنّ "كلتا" للمؤنَّث، و"كلا" للمذكَّر؛ فأمّا قوله [من الوافر]:

فإنّ الله يعلمني إلخ

فالبيت للنَّمِر بن تَوْلَبٍ، والشاهدُ فيه إضافتُه إلى "نَا"، وهو ضميرُ جمع، و"كِلا" إنّما يضاف إلى تثنيةٍ. وذلك لأنّ الاثنين والجمعَ في الكناية عن المتكلِّم واحدٌ، وإن شئتَ أن تقول: هو للجمع، ولكنّه حمل الكلامَ على المعنى, لأنّه عَنَى نفسه ووَهْبًا. وإليه أشار صاحبُ الكتاب، وهو أجودُ, لأنّه قد يقع لفظُ الجمع على التثنية، نحوَ قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (١)، وقوله: {تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} (٢)، ثمّ قال: خَصْمَان، ويُروى: سيلقاه بالياء، وسنلقاه بالنون، فمَن رواه بالياء جعل "كلانا" فاعلَه، ومن رواه بالنون، جعل "كلانا" تأكيدًا لضميرِ المتكلِّمين.

وأمّا قولُ ابن الزَّبَعْرى في يوم أُحُدٍ [من الرمل]:

يا غُرابَ البَيْنِ أَنْعَمْتَ فَقِلْ ... إِنّما تَنْطِقُ شيئًا قد فُعِلْ

إنّ للخَيْر وللشَّرِّ مَدًى ... وكِلَا ذلك وَجْهٌ وقِبَلْ

والعَطيّاتُ خِساسٌ بَيْنَهم ... وسَواءٌ قَبْرُ مُثْرٍ ومُقِلْ

كلُّ عَيْشٍ ونَعِيمٍ زائلٌ ... وبَناتُ الدَهْرِ يَلْعَبْنَ بكُلْ

فالشاهد فيه إضافةُ "كِلا" إلى مفردٍ يراد به التثنيةُ، كما أُضيف في الذي قبلَه إلى لفظ الجمع، إذ كان المراد به التثنية.

ومثلُ ذلك في أنّ المراد به التثنيةُ قولُه تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (٣)، أي: بين الفُروض والبَكارة، فجاز إضافةُ "كلا" إليه كما جاز إضافةُ "بَيْنَ" إليه، إلَّا أنّ "بَيْنَ" يضاف إلى اثنين فصاعدًا، و"كلا" يضاف إلى اثنين فقط.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (٤). أُضيف "كلٌّ" إليه حيث كان المراد به الكثرة.

وقوله: "ويجوز التفريقُ في الشعر"، يريد أنّك تُضيفه إلى اسم واحد، ثمّ تعطِف عليه اسمًا آخرَ، نحوَ: "كِلَا زيدٍ وعمرٍو"؛ لأنّ العطف بالواو نظيرُ التثنية، إذ كانت الواوُ لا تُرتِّب كالتثنية، فحُمل الكلام في الشعر على المعنى، نحو قوله [من الطويل]:

٣٦٣ - كِلَا السَّيْفِ والساقِ الذي ضُرِبَتْ به ... على دَهَشٍ ألْقاهُ بَاثنَيْن صاحِبُه


(١) التحريم: ٤.
(٢) ص: ٢١.
(٣) البقرة: ٦٨.
(٤) الزخرف: ٣٥
٣٦٣ - التخريج: البيت بلا نسبة في المقرب ١/ ٢١١.
الإعراب: "كلا": مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف للتعذّر، وهو مضاف. "السيف": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "والساق": الواو: حرف عطف، "الساق": معطوف على "السيف" مجرور =

<<  <  ج: ص:  >  >>