أخوته"؛ لأنك لما أضفت "الإخوة" إلى ضميره, فقد أخرجته من جملتهم من قبل أن المضاف حقه أن يكون غير المضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: "هؤلاء إخوة زيد",لم يكن "زيدٌ" في عداد المضافين إليه، وإذا خرج من جملتهم, لم يجز إضافة "أفعل" الذي هو هو إليهم، لأن من شرطه إضافته إلى جملة هو بعضها.
وعلى الوجه الثاني لا يمتنع. ومنه قول من قال لنصيب: "أنت أشعر أهل جلدتك", كأنه قال: أنت شاعرهم:
* * *
قال الشارح: قد تقدّم قولنا: إن أفعل على ضربَيْن، أحدُهما: أن يكون بمعنى الفعل، نحوَ: "زيدٌ أفضلُ القوم"، أي: يفضُلهم. والثاني: أن يكون من صفاتِ الذات بمعنَى الفاضل فيهم، فإذا قلت: "زيدُ أفضلُ القوم"، وأردتَ تفضيلَه عليهم، فلا بدّ من تقديرك "مِنْ" فيه، وإن لم تكن ملفوظًا بها, لأن التفضيل لا بد أنْ يُذَكَر فيه ابتداء الغاية التي منها بَدْءُ الفضل راقيًا، وذلك إنّما يكون بِـ "منْ"، فإن أظهرتَها، فهو حقُّ الكلام، وإن حذفتَها، فلعِلْمِ المخاطَب أن التفضيل لا يقع إلَّا بها، إلّا أنّك إذا أظهرتَها، فقد فضلتَه على غيره، وإذا أضفتَه، ولم تأتِ بِـ "منْ"، كنت قد فضلتَه على جنسه الذي هو بعضُه، وإذ قد عُلم أن "أفعل" إنما يضاف إلى ما هو بعضُه، فَلْيُعْلَمْ أنَّه لا يجوز أن تقول: "يوسف أحسنُ إخْوَتِه" وذلك أنك إذا أضفت "الإخوة" إلى "ضميره" خرج من جملتهم، وإذا كان خارجًا منهم؛ صار غيرَهم، وإذا صار غيرَهم، لم يجز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته" كما لا يجوز أن تقول: "الياقُوتُ أفضلُ الزَّجاج"؛ لأنّه ليس من الزجاج، فحينئذٍ يلزم من المسألة أحدُ أمرَين، كل واحد منهما ممتنعٌ، أحدُهما ما ذكرناه من إضافةِ "أفعل" إلى غيره، إذ إخوةُ زيدٍ غيرُ زيد، والأمرُ الثاني إضافةُ الشيء إلى نفسه، وذلك أنّا إذا قلنا: إن زيدًا من جملةِ الأخوة نَظَرًا إلى مقتضَى إضافةِ "أفعلَ"، ثم أضفتَ "الأخوةَ" إلى ضميرِ "زيد"، وهو من جملتهم، كنت قد أضفتَه إلى نفسه بإضافتك إياه إلى ضميره، وذلك فاسدٌ.
فأمّا على النوع الثاني، وهو أن يكون "أفعلُ" فيه للذات بمعنَى "فاعلٍ"، فإنه يجوز أن تقول: "يوسف أحسنُ إخوتِه"، ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول، إذ المرادُ أنّه فاضلٌ فيهم، لأنه لا يلزم في هذا النوع أن يكون "أفعلُ" بعضَ ما أضيف إليه، وعليه جاء قولهم لنُصَيْبٍ: "أنتَ أشعرُ أهلِ جِلْدتِك"؛ لأن أهلَ جلدته غيرُه، وإذا كانوا غيره، لم تسغ إضافةُ "أفعلَ" إذا كان هو إيّاه إليهم، لِما ذكرتُه. ويجوز على الوجه الثاني، لأنه بمعنَى الشاعر فيهم، أو شاعرهم فاعرفه.