للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يكون معناه التبيين، فيتعلق بمحذوفٍ، كأنه قال: "أعني منهم"، ويكون المعنى: ولست بالأكثر من قبيلتك، أي: فيهم من هو أكثر منك.

* * *

قال صاحب الكتاب: وقد اجتمع الوجهان في قوله عليه السلام:"ألا أخبركم بأحبكم إليَّ, وأقربكم مني مجالس يوم القيامة, أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافاً الذين يألفون, ويؤلفون, ألا أخبركم بأبغضكم إليّ, وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة, أساوئكم أخلاقاً الثرثارون المتفيهقون" (١).

* * *

قال الشارح: هذا الحَدِيث عن أبي هُرَيْرةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يحُثّ فيه على حُسْنِ الخُلُق، ولِينِ الجانب، فالمُوَطؤُونَ: الليّنونَ، من قولهم: "وَطَّاْتُ الفِراشَ" أي: لينتُه، ومَهْدتُه. والأكناف: جمعُ كَنَفٍ، وهو الجانِبُ، ومنه كَنَفَا الطائر: جَناحاه، وقوله: "الذين يَألَفون ويُؤْلَفون" أي: يصحَبون الناس بالمعروف، فيُرغَب في صُحْبَتهم للِينهم، ورِفْقِهم، من قوله: "المؤمنون هَينون ليّنون" أي منقادون. وقوله: "الثرْثارون المُتَفَيهِقُون" يريد الذين يُكثِرون الكلامَ، ويتكلفون فيه، فيخرِجون عن القصد والحق. يقال: "رجلٌ ثَرثارٌ"، وهو المِكثار في الكلام، ومنه "عَينٌ ثرَّةٌ، وثَرْثارَة" إذا كانت واسعةَ الماء، ويقال: "الثرثارُ: نهرٌ بعينه"، كأنّه سُمي بذلك لكثرةِ مائه، وليس الثرثارُ من لفظِ الثرّة، إنّما هو من معناه، وان وافَقَه في بعضِ حروفه، إنّما هو كسَبط وسِبَطْر، ودَمِث ودِمَثْرٍ، فـ "ثَرَّة"، من باب "حَبّ"، و"دَرّ"، و"ثَرْثارَة": من بابِ "زَلزَل"، و"قَلْقلَ"، والمُتَفْيهِق: هو الذي يتوسع في كلامه ويُفْهِق به فَمَه.

وقد جاء تفسير للحديث فيه: قيل: ما المُتفَيهِقون؟ قال: المتكثرون، وكأنّه يؤُول إلى الأول، لأنه يكون من التكثير.

والشاهد فيه أنه وحد "أَحَبَّكُم"، و"أقربَكم" لأنه أراد المعنى الأولَ، وهو و"أفعلُ" الذي بمعنى التفضيل، لأنه يكون في جميع الأحوال بلفظ واحد، لا يُثنى، ولا يُجمع، ولا يؤنث. وجَمَعَ "أحاسنكم" وهو جمعُ "أحسَنَ" لأنه لم يُرِد به التفضيلَ، وإنّما المرادُ به الذاتُ نحو"الحَسَنُ". وكذلك "أبغضكم" و"أقربكم" وحّدهما، لأنّ المراد بهما التفضيلُ، وجَمَعَ "أساوِئكم" وهو جمعُ "أَسوَأَ" لأنه بمعنى السَّيئ.

* * *

قال صاحب الكتاب: وعلى الوجه الأول لا يجوز أن تقول: "يوسف أحسن


(١) ورد الحديث في غريب الحديث والأثر ٦٥/ ٢٠١ (وطأ)؛ وكنز المال الرقم ٥٢٢٣؛ ومسند أحمد بن حنبل ٢/ ١٨٥. وانظر: مرسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٤/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>