للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: الصفة والموصوف شيءٌ واحدٌ، لأنهما لعَين واحدة، فهذا قلت: "جاءني زيدٌ العاقلُ"، فـ "العاقلُ" هو زيدٌ، و"زيدٌ" هو العاقلُ، ألا ترى أنك إذا سُئلتَ عن كل واحد منهما، جاز أن تُفسره بالآخر، فتقول في جوابِ "مَن العاقلُ": "زيدٌ"، وفي جوابِ "مَن زيدُ": "العاقلُ". فإذا كانت الصفةُ والموصوفُ شيئًا واحدًا، لم يجز إضافةُ أحدهما إلى الآخر، فلا تقول: "هذا زيدُ العاقِل"، و"هذا عاقلُ زيدٍ" بالإضافة، وأحدُهما هو الآخرُ.

وقد ورد عنهم ألفاط، ظاهرُها من إضافةِ الموصوف إلى صفته، والصفةِ إلى موصوفها، والتأويلُ فيها على غيرِ ذلك. فمن ذلك قولهم: "صلاةُ الأُولى"، و"مَسْجدُ الجامِعِ"، و"جانبُ الغَرْبى"، و"بَقلَةُ الحَمقاءِ"، فهذه الأشياءُ حقها أن تكون صفة للأول، إذ الصلاة هي الأُولى، والمسجد هو الجامعُ، وإنما أُزيل عن الصفة، وأُضيف الاسمُ إليه على تأويلِ أنه صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، والتقديرُ: صلاة الساعةِ الأُولى، يعني من الزوال، ومسجدُ الوَقْت الجامع، أو اليوم الجامع، وجانبُ المكان الغَرْبي، وبَقْلَةُ الحَبة الحَمقاءِ، سُقيت حمقاءَ لأنها تنبُت في مجارِي السَّيْل، فتجرُفُها السُّيُولُ.

فإن قلت: "الصلاةُ الأُولى"، و"المسجدُ الجامِعُ"، فأجريتَه وصفًا له، فهو الجيدُ والأكثرُ، وإن أضفتَ، فوَجهُه ما ذكرناه. وهو قبيحٌ لإقامتك فيه الصفةَ مُقامَ الموصوف، وليس ذلك بالسهل.


= ٤٥١؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩/ ٣٨٦.
اللغة: المؤمن: الذي يحمي حمام مكة من الذبح, لأنها لما لجأت إلى مكة حرمَ قتلها. والعائذات: ما عاذ، أي: التجأ إلى البيت الحرام من الطير. الركبان: جمع ركب وهم الحجاج. السنَدُ: ما قابلك من الجبل وعلا من السَّفح. الغِيل: ماء بعينه.
المعنى: والله الذي يؤمن الطير التي تعوذ بالحرم حتى إن الحجاج تمسحها، فلا تفزع منها.
الإعراب: "والمؤمن": الواو: حرف عطف، و"المؤمن": معطوف على اسم مجرور بالإضافة، فهو مجرور مثله. "العائِذات": مفعول به لاسم الفاعل "مؤمن" منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. "الطيرِ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "تمسحها": فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به. "ركبان": فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف. "مكة": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. "بين": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل "يمسحها" أو بحال من الضمير المتصل في "يمسحها"، وهو مضاف. "الغيل": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "والسند": الواو: حرف عطف، و"السند": معطوف على "الغيل" مجرور مثله بالكسرة.
وجملة "يمسحها ركبان مكة": حال من "العائذات" محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: "العائذات الطير" حيث أجرى الشاعر "الطير" على "العائذات" بيانًا وتلخيصًا لا تقديمًا للصفة على الموصوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>