للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: قد تقدّم القولُ: إن الإضافة إلى الأفعال ممّا لا يصحّ؛ لأن الإضافة ينبغي بها تعريفُ المضاف، وإخراجُه من إبهام إلى تخصيص على حسب خصوصِ المضاف إليه في نفسه، والأفعالُ لا تكون إلا نكراتٍ، ولا يكون شيءٌ منهاَ أخصَّ من شيء، فامتنعت الإضافةُ إليها لعدمِ جَدْواها، إلا أنهم قد أضافوا أسماء الزمان إلى الأفعال، فقالوا: "هذا يومُ يقومُ زيدٌ"، و"ساعةُ يذهَبُ عمرُو"، وقال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (١). وقال: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} (٢). وقال الشاعر [من الطويل]:

على حِينِ عاتَبتُ المَشِيبَ على الصِّبا ... وقُلتُ ألَمّا أَصحُ والشيبُ وازعُ (٣)

فأضاف "الحِينَ" إلى الفعل الماضي، فقال قومٌ: الإضافة إئما وقعت إلى الفعل نفسِه تنزيلًا له منزلةَ الفعل المسمى مصدرًا. وقد يقع الفعلُ موقعَ المصدر في مواضعَ، نحو قولهم: "تَسمَعُ بالمُعَيدِي خَيرٌ من أن تَراهُ" (٤)، وكقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (٥) والمراد: الإنذارُ وعدمُ الإنذار، ومنه قول الشاعر [من الوافر]:

فقالوا ما تَشاءُ فقلتُ أَلْهو ... [إلي الإصْباح آثِرَ ذي أَثيرِ] (٦)

قالوا: واختص الزمانُ بذلك من بين سائرِ الأسماء لمُلابَسة بين الفعل وبينه، وذلك أن الزمان حَرَكَة الفَلَك، والفعلَ حركةُ الفاعل، ولاقتران الزمان بالحَدَث، فلما كان بينهما هذه المُنَاسَبةُ؛ اختص بالإضافة، ولقا كان الفعلُ لا ينفك من الفاعل؛ صارت الإضافةُ في اللفظ إلى الجملة، والمرادُ الفعل نفسه.

وقال قوم: إنما أضيف الزمان إلى الفعل, لأن الفعل يدل على الحدث والزمانِ، فالزمانُ أحدُ مدلولي الفعل، فساغت الأضافةُ إليه كإضافةِ البعض إلى الكل. وذهب قومٌ إلى أن الإضافة إنّما إلى الجملة نفسِها، لا إلى الفعل وحدَه، فأضافوا الزمانَ إلى الجملة من الفعل والفاعل، كما أضافوه إلى الجملة من المبتدأ والخبر، فقالوا: "هذا يوم يقومُ زيدٌ"، كما قالوا: "رأيتُ يومَ زيدٌ أميرٌ، وزمنَ أبوك غائبٌ". وتكون الإضافةُ في اللفظ إلى الجملة، والمرادُ المصدرُ. فهذا قلت: "هذا يومُ يقوم زيدٌ، أو يومُ زيدٌ قائمٌ"،


(١) المائدة: ١١٩.
(٢) المطففين: ٦. وفي الطبعتين: "ويوم".
(٣) تقدم بالرقم ٣٨.
(٤) هذا القول من أمثال العرب، وتد ورد في أمثال العرب ص ٥٥؛ وتمثال الأمثال ١/ ٣٩٥، وجمهرة الأمثال ١/ ٣٦٦؛ وفصل المقال ص ١٣٥، ١٣٦؛ والفاخر ص٦٥؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٢٩؛ والوسيط في الأمثال ص ٨٣.
والمُعيدي: تصغير مَعَدي على غير قياس. يُضرب لمن خَبرُه خيرٌ من مِرآته.
(٥) البقرة: ٦.
(٦) تقدم بالرقم ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>