فإنما تريد: يومُ قيام زيدٍ، فكأنه أضاف إلى مدلولاتِ الجمل، ومدلولاتُها معانٍ، وإن كانت تتركبُ من الأعيان والمعاني. والأزمنةُ تكون ظروفًا للمعاني دون الأعيان، نحو قولك:"القتالُ اليومَ"، ولو قلت "زيدٌ اليومَ"، لم يصح، فالمُلابسةُ إذا بين الزمان والمعنى ظاهرةٌ.
والإضافة تصحّ بأدنى مُلابسة، فهذا قلت:"أتيتُك زمن الحَجاجُ أميرٌ، وعبدُ الملك خليفةٌ"، والمعنى: زمنا كان ظرفًا لإمارة الحجّاج، وخِلافة عبد الملك، فالإضافةُ في الحقيقة إنما هي إلى الحدث الدال عليه الجملةُ، لا إلى الجملة، إذ الإضافةُ لا تجوز إِلا إلى ما تجوز إضافتُه.
وقد ردّ ابنُ دُرُسْتوَيْه القول الأول، وقال: الزمنُ إنما أضيف إلى الجملة نفسِها، لا إلى الفعل وحدَه، ويدل على ذلك أنّ موضعَ الجملة خفضٌ بلا خلافٍ، ولو كانت الإضافة إلى الفعل؛ لكان مخفوضًا، أو كان مفتوحًا في موضع الخفض، فالإضافةُ إلى الجملة، والمرادُ مدلولُها الذي هو الحدث.
فأما قول صاحب الكتاب:"وتضاف أسماءُ الزمان إلى الفعل"، فالمراد إلى الجملة من الفعل والفاعل، ولم يذكر الفاعل للعِلْم بأن الفعل لا بد له من فاعل، لا أنه أراد أن الزمان مضافٌ إلى الفعل مفردًا من الفاعل، والذي يدل على ذلك قوله فيما بعدُ: وتضاف إلى الجملة الابتدائية أيضًا، فقدله:" أيضًا" دليل على ما قلناه.
فأما:"إذْ" و"إذا"، فظرفان من ظروف الزمان أيضًا، ويضافان إلى الجُمل كسائرِ أسماء الزمان، إلا أن غيرهما من أسماء الزمان، البابُ فيه إضافته إلى المفرد، نحو:"صُمتُ يوم الجُمْعة"، و"صليتُ يومَ الخَميس". وإضافتُها إلى الجملة على طريقِ الجواز والتأويل، و "إذ" و"إذا" لا تضافان إلا إلى الجمل، فـ "إذا" لا تضاف إلى الجملتَين الفعلية والاسمية، نحو:"جئتُك إذ زيدٌ قائمُ، وإذ قام زيدٌ". و"إذا" لا تضاف إلَّا إلى جملة فعلية، نحو:"آتِيك إذا احَمَرَّ البُسرُ، وإذا طلعت الشمسُ". وسيأتي الكلامُ عليهما مستقصى إن شاء الله تعالى.
فأما "مُنْذُ" فهي في نفسها لا تضاف البتةَ، لأتها تكون على ضربَيْن: حرفٌ، واسمٌ، فهذا كانت حرفًا كانت بمعنى الحاضر، وكانت الإضافةُ فيها أَبعَدَ، وكان ما بعدها مخفوضًا بمعنَى "في"، نحو قولك:"ما رأيتُه مُنذُ الليلةِ"، أي: في الليلة. وإذا كانت اسمًا، كانت بمعنى "الأمَد"، وكانت مرفوعة بالابتداء، وما بعدها خبرُها. فهي لا تكون مضافة البتّة، فإذا قلت:"ما رأيتُك مُذْ دَخَلَ الشِتاءُ، ومُنْذُ قام زيدٌ"، فالتقدير: ما رأيتك مُنْذُ زمنُ قام زيدٌ، أو وقتُ قام زيدٌ. فالزمنُ والوقتُ مضافٌ إلى الفعل، ثم حُذف المضاف للعلم بمكانه. فمثّل به لأنّه موضعٌ يضاف فيه الزمانُ إلى الفعل، لا أن "منذ" في نفسها هي المضافةُ. فالزمن والوقت