للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الوجه الآخر، وهو على تقدير مضافٍ محذوفٍ، وهو"مِثْلٌ". وكان أبو العباس يمنَع جوازَ هذه المسألةِ ونظائرِها؛ لأنه كان لا يرى حذفَ الجارّ، ولا يرى العطفَ على عاملَيْن، ولا مَحْمِلَ لها سوى هذَين الوجهَيْن.

فأما قولك: "ما مثلُ أخيك، ولا أبيك يقولان ذاك"، فهذا لا بد فيه من تقدير "مِثْل" أيضًا، وليس من جهةِ العطف على عاملَيْن، لكن من جهةِ أخرى، وذلك أنّك إذا عطفتَ "الأب" على "الأخ"؛ لم يجز تثنيةُ الخبر لوجهَيْن:

أحدهما: أنّه يلزم من ذلك أن يعمل في الخبر عاملان، وهو"مثلٌ"، و"مَا" النافيةُ الحجازيةُ، إذا جعلتَ موضعَ "يَقُولاَنِ" نصبَا؛ لأن العامل في الخبر هو العامل في المُخْبَر عنه. وإن لم تُعْمِلها، كان العاملُ في الخبر أيضًا شيئين: الابتداءُ، و"مثلٌ"،وذلك لا يجوز.

والوجه الثاني: أن "ما" لا تعمل في خبرِ ما لا تعمل فيه، ولا عَمَل لـ "ما" في "الأبَ"، فلم يجز أن تعمل في خبره، فلذلك وجب تقديرُك "مِثْلُ" مع "الأب"، وساغ حذفُها لتقدُّمِ ذِكْرها. ويكون التقديرُ: ما مثلُ أخيك، ولا مثلُ أبيك يقولان ذاك. لأن "مَا" قد عملت في "مثلٍ" الأولِ و"مثلٍ" الثاني, لأن حرف العطف يُشْرِك بين المعطوف عليه والمعطوف في عَمَلِ العامل، وقوله: "وهو في الشذوذ نظيرُ إضمار الجارّ" يعني حذف المضاف، وإبقاءَ عَمَله، نحو قوله [من الخفيف]:

٣٩٨ - رَسْمِ دارِ وقفتُ في طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقضِي الحَيَاةَ مِن جَلَلِة


٣٩٨ - التخريج: البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩؛ والأغاني ٨/ ٩٤؛ وأمالي القالي ١/ ٢٤٦؛ وخزانة الأدب ١٠/ ٢٠؛ والدرر ٤/ ٤٨، ١٩٩؛ وسمط اللآلي ص ٥٥٧؛ وشرح التصريح ٢/ ٢٣؛ وشرح شواهد المنغي ١/ ٣٩٥، ٤٠٣؛ ولسان العرب ١١/ ١٢٠ (جلل)؛ ومغني اللبيب ص ١٢١؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٣٣٩؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ٣٧٨؛ والجنى الداني ص ٤٥٤، ٤٥٥؛ والخصائص ١/ ٣٨٥، ٣/ ١٥٠؛ ورصف المباني ص ١٥٦، ١٩١، ٢٥٤، ٥٢٨؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ١/ ١٣٣؛ وشرح الأشموني ٢/ ٣٠٠؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٧٣؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧٤؛ ومغني اللبيب ص ١٣٦؛ وهمع الهوامع ٢/ ٣٧.
اللغة: الرسم: بقية الدار أو غيرها بعد رحيل أهلها. الطلل: ما شخص من آثار الدار كالوتد والأثافي. أقضي: أموت. الجلل: الخطب العظيم.
المعنى: رب آثار دار غادرها أهلها، وقفت أتأمل أطلالها فكدت ممّا أصابها من بلاء أموت حزنًا عليها. الإعراب: "رسم": اسم مجرور لفظا بـ "ربّ" المحذوفة مرفوع محلاًّ على أنه مبتدأ، وهو مضاف. "دار": مضاف إليه مجرور. "وقفت": فعل ماضٍ، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. "في طلله": جار ومجرور متعلّقان بـ "وقفت"، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. "كدت": فعل ماضٍ ناقص من أفعال المقاربة، والتاء: ضمير في محل رفع اسم "كاد".=

<<  <  ج: ص:  >  >>