للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى} (١)، ونحو: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} (٢)، فـ "إذْ" هذه مبنية على السكون، وموضعُها نصبٌ بفعل مقدر تقديرُه: واذكروا إذ قلتم، ونحوه. وإذا كانت مبنية في حال الإضافة؛ فهي إذا لم تُضف بالبناء أجدرُ, لأن حذفَ المضاف إليه اقتطاعُ جُزْء من الاسم.

فإن قيل: فلِمَ كانت النونُ أَوْلى بالعوض من غيرها؟ قيل: كان الأولى أن يكون حرفًا من حروف المَد واللينِ لخِفتها، وكئرةِ زيادتها، لكنّهم لما كانت معتَلة لا تثبُت على حالي؛ لم تُزَدْ أخيرًا، إذ الذالُ قبلها ساكنٌ.

وإذا زيد حرفُ المدّ، وكان ساكنًا؛ وجب تحريكُ الذال لالتقاء الساكنَيْن، فإن كُسرت الذال، وكان حرفُ المدَّ ألفًا، أو واوًا؛ انقلبتْ ياء، وإن كانت ياة من أوّلِ مرة؛ لم يُؤْمَن حذفُها إذا لَقِيَها ساكنٌ بعدها، فلمّا كان زيادةُ حرف المدَّ تُؤدِّي إلى تغييره، أو حذفِه؛ تأبوا زيادتَه، وعدلوا إلى النون, لأنه يُجامِع حروفَ اللين في الزيادة، ويُناسِبها من حيثُ إنه غُنَّةُ تَمتدْ في الخَيْشُوم، فكان كالألف التي تمتد في الحَلْق، ولا مُعتمَدَ لها فيه مع أنها قد جاءت عوضًا من الحركة في "يَفْعلانِ"، و"تَقعلانِ"، و"يَفْعلونَ"، و"تَفْعَلونَ"، و"تَفْعلين".

وزادوها في التثنية والجمع عوضًا من الحركة، والتنوينِ، نحو قولك: "جاءني الزيدان، والزيدون"، و"رأيت الزيدَيْن، والزيدِينَ"، و"مررت بالزيدَيْن، والزيدِين". فالنونُ هنا عوضٌ من الحركة والتنوين، فلمّا كانت النونُ قد زيدت عوضًا فيما ذكرناه، واحتيج إلى حرفٍ يكون عوضًا في "يومئذٍ، و"حينئذٍ"، كانت النون أَوْلى؛ لأنّها مأنوس بزيادتها عوضًا.

وأمّا "كُلٌّ"، و"بَعْضٌ"، فمحذوفٌ منهما المضافُ إليه، وهو مرادٌ. يدل على ذلك أنّهما معرفتان، ولولا إرادةُ المضاف إليه فيهما؛ لكانا نكرتَيْن، نحو قولك: "غلامُ زيدٍ" إذا أردتَ المعرفةَ، و"غلامٌ" إذا أردت النكرةَ. والذي يدل على تعريفهما وقوعُ الحال منهما، نحو قولك: "مررت بكُلّ قائمًا، وببعض جالسًا"، والحالُ إنما تكون من المعرفة، ولا تكون الحالُ من النكرة إلا على ضُعْفٍ وضرورةٍ. وإنما يُحذف المضاف إليه إذا جرى ذكرُ قوم، فتقول: "مررت بكُلٍّ أي: بكلّهم، و"مررت ببعضٍ أي: ببعضهم، وتستغني بما جرى من الكلام، ومعرفةِ المخاطب عن إظهار الضمير المضاف إليه.

فذهب بعضُهم إلى أن التنوين عوضٌ من المضاف إليه كالذي في "يومئذٍ"، و"حينئذٍ". قال: وإنّما قلنا ذلك؛ لأن هذا لا يدخله تنوينُ التمكين من حيثُ كان في نيةِ الإضافة، كما لا يدخله الألفُ واللام. فلما نُوّن مع إرادة الإضافة؛ عُلم أن التنوين عوضٌ من المحذوف. وأمّا مذهبُ الجماعة، فإنه التنوين الذي كان يستحِقه الاسم قبل الإضافة، والإضافةُ كانت المانعةَ من إدخالِ التنوين. فلمّا زال المانعُ، وهو الإضافةُ؛ عاد إليه ما


(١) البقرة: ٥٥، ٦١.
(٢) غافر:٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>