للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصله: وأنتَ إذ نهيتُك، فحذف الجملة، وعوّض منها التنوين. ومثله "حِينَئِذٍ"، و"ساعَتَئِذٍ" و"يَؤمَئِذٍ"، والمراد: حِينَ إذ كان كذا وكذا، وساعةَ إذ كان كذا وكذا، ويومَ إذ كان كذا كذا. قال الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (١)، والتقدير: يَومَ إذ تَزَنزَلَت الأرض، وإذا أخرجتِ الأرضُ أثقالَها، وإذ قال الإنسان. فحُذفت هذه الجُمَلُ بأَسْرها لدلالةِ ما تقدّم من الجمل، وعُوّض منها التنوينُ، فدخل وهو ساكن، وكانت الذالُ قبله ساكنةً، فكُسرت الذال لالتقاء الساكنَين، فقيل: "يَوْمَئذٍ".

وليست الكسرةُ في الذال بإعراب، وإن كانت "إذ" ها هنا في موضع جَر بإضافة ما قبلها إليها، والذي يدل أن الكسرة لالتقاء الساكنَين، لا للإعراب قوله: "وأنْتَ إذٍ صحيحٌ". ألا ترى أن "إذٍ" في هذا البيت ليس قبلها شيءٌ مضافٌ إليها، فتكونَ مجرورة به، فثبت بما ذكرناه أنها حركةُ بناء، لا إعراب. على أنه قد حُكي عن أبي الحسن أن "إذ" ها هنا مجرورةٌ بمضاف محذوف، كأنه أراد: حينئذٍ، ثم حذف "حِينَ" وهو يريدها، فهي مجرورةٌ بالمضاف المقدرِ على حد قوله [من المتقارب]:

ونارٍ تَوَقَّدُ باللَيْل نارَا (٢)

وما أبعدَ اعتقادَ مثلِ هذا من فَضلِ ذاك السيد، ومَحمِلُه إن صحّ على التقريب، أو أنه يريد مجرورةَ الموضع، لا اللفظِ، ألا ترى أن "إذ" مبنيّةٌ في حال إضافتها إلى الجملة،


= (شلل)، ١٥/ ٤٦٢ (أذ)؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظانر ٤/ ٣٠١؛ وتذكرة النحاة ص ٣٧٩؛ والجنى الداني ص ١٨٧، ٤٩٠؛ وجواهر الأدب ص ١٣٨؛ والخصائص ٢/ ٤٧٦؛ ورصف المباني ص ٣٤٧؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٥٠٤، ٥٠٥؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٦١.
اللغة: بعاقبة: بآخر ما وصيتك به. ويروى، كما في طبعة ليبزغ،"بعافية".
المعنى: لقد حذرتك من هوى أم عمرو، آخر ما وصّيتك به، وها أنت الآن تقاسي ما كنت قد حذرتك منه وأنت صحيح القلب.
الإعراب: "نهيتك": فعل ماضٍ مبنى على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "عن طلابك": جار ومجرور متعلقان بـ "نهيتك"، والكاف: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "أم": مفعول به لـ "طلاب" منصوب بالفتحة. "عمرو": مضاف إليه مجرور بالكسرة."بعاقبة": جار ومجرور متعلّقان بـ "نهيتك". "وأنت": الواو: حالية، "أنت": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. "إذ": ظرف للزمان الماضي في محل نصب مفعول فيه متعلق بـ "صحيح"، والتنوين في "إذ" عوض عن جملة. "صحيح": خبر "أنت" مرفوع بالضمة.
وجملة" نهيتك": ابتدائية لا محل لها. وجملة "أنت صحيح": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "إذ" حيث إن التنوين اللاحق لـ"إذ" عوض عن الجملة، والأصل: وأنت، إذ نهيتك صحيح.
(١) الزلزلة: ١ - ٤.
(٢) تقدم بالرقم ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>