للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث طلحة رضي الله عنه: فوضعوا اللج على قفي، يجعلونها إذا لم يكن للتثنية ياء، ويدغمونها. وقالوا جميعًا "لدي" و"لديه" و "لديك", كما قالوا: "عليَّ", و"عليه", و"عليك". وياء الإضافة مفتوحة إلا ماجاء عن نافعٍ {محياي ومماتي} (١) وهو غريب.

* * *

قال الشارح: اعلم أن ياء المتكلم حكمُها أن يُكسَر ما قبلها نحو قولك: "غُلاَمِي"، و"صاحِبِي" و"دَلْوِي". وإنّما وجب كسرُ ما قبل ياء المتكلّم، لِيسلَم الياءُ من التغيير والانقلاب، وذلك أن ياء المتكلم تكون ساكنة، ومفتوحة. فلو لم يكن يُكسَر ما قبلها، لكانت تنَقلب في الرفع واوًا في لغة من أسكنَها، وكان اللفظُ في الرفع: "هذا غُلامُو"، فيذهَب صيغة الإضافة، وكانت تنقلب في النصب ألفًا في لغةِ من فتحها، فكنت تقول: "رأيتُ غُلامَا". فلمّا كان إعرابُ ما قبلها يُؤدّي إلى تغييرها وانقلابِها إلى لفظِ غيرها، رفضوا ذلك، وعدلوا إلى كسرِ ما قبلها البتةَ.

فإن قيل: فأنتم قد قلبتموها ألفًا في النداء، نحو: "يا غُلَامَا"، قيل: ذلك شيء اختص به النداء، كما اختص بالعَدْل، نحو: "يا غَدارِ"، و"يا فَساقِ"، و"يا غُدَرُ"، و"يا فُسَقُ"، و "ياهَنَاهْ". ولا يُستعمل ذلك في غير النداء، وليس كسرُ ما قبلها لثِقَلِ الضمّة، ألا ترى أن الفتحة أخفُّ الحركات، ومع ذلك كسرتَ، فعُلم أنّ الكسرة فيها لغيرِ الاستثقال، فتقول: "هذا غلامي، وصاحبي"، ونحوهما من الصحيح اللام، أو ما جرى مجرى الصحيح. فالصحيحُ ما لم يكن حرفُ إعرابه ألفًا، ولا واوًا، وَلا ياءً، نحو: رجل، وفرس. والبخاري مجرَى الصحيح ما كان آخرُه ياء، أو واوًا قبلهما ساكنٌ، نحو: ظَبْي، ودَلْو؛ لأنه إذا سكن ما قبلهما، بَعُدَتَا عن شَبَهِ الألف، وجرتَا مجرى الصحيح في تحَمُّلِ حركاتِ الإعراب، فلذلك تقول: "هذا دَلْوِي، وظَبْيِي"، فتكسِر ما قبل ياء الإضافة، كما تكسر ما قبلها من الصحيح.

واعلم أنهم قد اختلفوا في هذه الكسرة، فذهب قوم إلى أنها حركةُ بناء، وليست إعرابًا؛ لأتها لم تحدُث بعامل، وإنّما حدوثُها عن علةِ، وهو وقوعُ ياءِ النفس بعدها، ولذلك لا تختلِف باختلافِ العوامل. ألا تراك تقول: "جاء غلامي"، و"رأيت غلامي" و"مررت بغلامي"، فتختلف العواملُ في أوّله، ولا تختلف حركةُ حرفِ الإعراب، بل يلزم الكسرَ البتّةَ مع إمكانِ تحرُكه.

إلّا أن هذه الكسرة، وإن كانت بناءً، فهي عارضةٌ في الاسم، لوقوعِ الياء بعدها،


(١) الأنعام: ١٦٢ (في الطبعتين: "مَحياي"، بإسقاط الواو). وهذه أيضًا قراءة ورش وقالون وغيرهما.
انظر: البحر المحيط ٤/ ٢٦٢؛ وتفسير القرطبي ٧/ ١٥٢؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٦٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>