للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليست الحركةُ فيها كالحركة في المبني بمُشابَهةِ الحروف، أو تضمُّنِ معناها، أو التي تحدث في الاسم بعد وجوب بناءه، وتلزمُ كالتي في "أَمْسِ"، و"هؤلاءِ". ألا ترى أن البناء فيهما وجب لتضمُّنِ الحرَف، ثمّ عرض التحريكُ، لالتقاء الساكنَيْن. والساكنان من كلمة واحدة لا ينفصِل أحدهما من الآخر، فصار مما يُثْبِت الكلمةَ على الحركة، فحركةُ الآخر كحركةِ أوّلها، وما هو حَشْوٌ فيها من جهةِ اللزوم والثَباتِ. وإذا كانت عارضة، لم تَصِرِ الكلمةُ بها مبنيّة.

ونظيرُ ذلك حركةُ التقاء الساكنَين، نحو "لم يَقُم الرجلُ" و"لم تَذْهَب الجاريةُ"، فهذه الكسرةُ ليست إعرابًا، ألا ترى أنّ "لَمْ" لا تعمل الكسرةَ، وإنما عملُهاَ الجزمُ الذي هو سكونٌ مع أن الحركة لالتقاء الساكنَئن بناءٌ. فالكلمةُ باقيةُ على إعرابها لكونها عارضةً، تزول عند زَوالِ الساكن. فالكسرةُ هنا كالضمة في نحو: "لم يضربوا"، والفتحةِ في نحو "لم يضربا" في كونهما عارضتَين للواو والألِف.

وقد ذهب قومٌ إلى أن هذه الحركة لها حكمٌ بين حكمَيْن، وليست إعرابًا ولا بناءً. أما كونُها غيرَ إعراب، فلأنّ الاسم يكون مرفوعًا، ومنصوبًا، وهي فيه، فدلّ على أنها غيرُ إعراب، وأما كونُها غيرَ بناء، فلأن الكلمة لم يُوجَدْ فيها شيءٌ من أسبابِ البناء. وأسبابُ البناء مُشابَهة الحرف، نحو: "الذِي و"التِي" أو تضمُّنُ معنى الحرف، نحو: "أَيْنَ"، و"كَيْفَ"، أو وقوعه موقعَ الفعل المبني نحو "نَزَالِ"، و"تَرَاكِ". فلما لم يُوجَد فيها شيءٌ من ذلك، دل على أنها معربةُ متمكِّنةٌ، إذ لم يعرِض فيها ما يُخْرِجها عن التمكن، ألا ترى أنه لا فَرْقَ بين قولك: "غلامِي وقولك: "غلامُكَ" و"غلامُهُ" في التمكن، واستحقاقِ الإعراب. فكما أن "غلامه"، و"غلامك" معربان، فكذلك "غلامي" معربٌ. والأولُ أقيسُ.

فإن كان الاسمُ المضاف معتَلا، فما كان آخِرُه ألفًا، فإنك إذا أضفتَه إلى ياء المتكلم أثبث الألف، وفتحتَ الياء، وذلك نحو قولك: "عَصَايَ"، و"هُدَايَ"، و"بُشرَايَ". وإنّما فتحتَ الياء لسكونِ الألف قبلها، فلمّا وجب تحريكُها؛ كان تحريكُها بحركتها الأصلية أَوْلى من اجتلابِ حركة غريبة.

ومن العرب من يقلِب هذه الألفَ ياءً في الإضافة إلى ياء المتكلّم، فيقول: "هَوَيَّ"، و"عَصَىَّ"، و"هُدَيَّ". وله وجهٌ صالحٌ في القياس، وذلك أنه لما كانت ياء المتكلم أبدًا بكسر الحرف الذي قبلها إذا كان حرفًا صحيحًا، نحو: "هذا غلامي"، و"رأيت غلامي"، و"مررت بغلامي وكانت الياء وَسِيلَةَ الكسرة في نحو: "أخيك"، و"أبيك وفي المتثنية والجمع من نحو: "الزيدَيْن"، و"الزيدِين وجب أن لا يقولوا: "رأيت عَصَايَ"، بإثبات الألف، كما لم يقولوا: "رأيت غُلامَيَ" بفتح الميم، فأبدلوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>