للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبمعنى: مقول عنده هذا القول لورقته؛ لأنه سمارٌ. ونظيره قول أبي الدرداء: رضي الله تعالى عنه: "وجدت الناس اخبر تقله" (١)، أي: وجدتهم مقولاً فيهم هذا المقال, ولا يوصف بالجمل إلا النكرات.

* * *

قال الشارح: وقد تقع الجُمَلُ صفاتٍ للنكراتِ، وتلك الجملُ هي الخَبَريّةُ المحتمِلةُ للصدْق والكذْبِ، وهي التي تكون أخبارًا للمبتدأ، وصلاتٍ للموصولات. وهي أربعةُ أضرب:

الأوَّل أن تكون جملةً مركّبةً من فعلٍ وفاعلٍ.

والثاني أن تكون مركّبةٌ من مبتدأ وخبر.

والثالث أن تكون شرطًا، وجَزاءٍ.

والرابعُ أن تكون ظرفًا.

فالأولُ قولُك: "هذا رجلٌ قام، وقام أبوه"، فـ"هذا" مبتدأٌ، و"رجلٌ" الخبرُ، و"قَامَ" في موضع رفع بأنّه صفةٌ. قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} (٢). فقوله: "أنزلناه" في موضعِ رفع على الصفة لـ"كتاب". يدلّ على ذلك رفعُ "مبارك" بعده، وفيه ذكرُ مرتفع بأنّه الفاعلُ. وهذا الذكرُ يعود إلى الموصوف الذي هو"رجلٌ"، ولولا هذا الذكرُ، لَمَا جاز أن تكون هذه الجملة صفة، لأنّ الصفة كالخبر، فكما لا بدّ من عائدٍ إلى المبتدأ إذا وقعت خبرًا، كذلك لا بدّ منه في الجملة إذا وقعتْ صفة.

والثاني كقولك: "هذا رجلٌ أبوه منطلقٌ"، فـ "أبوه" مبتدأٌ، و"منطلقٌ" خبرُه، والجملةُ من

المبتدأ والخبر في موضع رفع بأنّها صفةُ رجلٍ. والهاءُ في "أبوه" عائدةٌ إلى الموصوف.

والثالث أن تكون الجملة الصفةُ جملةً من شرط وجزاء. وذلك نحو: "مررت برجلٍ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْكَ"، فقولك: "إن تكرمه يكرمك" في موضع الصفة لِـ"رجلٍ"، وقد عاد الذكرُ منهما إلى الموصوف، ولو عاد من أحدهما، لكان كافيًا، نحو: "مررت برجلٍ إنْ تَضْربْهُ تُكْرِمْ خالدًا". فالذكرُ ها هنا إنّما عاد من الشرط وحدَه، ولو قلت: "مررت برجلٍ


= والشاهد فيه قوله: "بمذق هل رأيت الذئب" حيث جاء ظاهر الجملة الاستفهامية وكأنه نعت للنكرة "مذق"، وفي الحقيقة هي مقول قول محذوف، والتقدير: "جاؤوا بمذق مقول فيه: هل رأيت الذئب قط".
(١) "اخبر تَقْلِه" من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة اللغة ١/ ١٠٥؛ ولسان العرب ١٥/ ١٩٨ (قلا)؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٦٢؛ والمستقصى ١/ ٩٣.
والمعنى: إذا خبرت الناس قليتهم، أي: بغضتهم. يضرب في قلّة توقّع الخير عند الناس.
(٢) الأنعام: ٩٢، ١٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>