للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن تضربْ زيدًا يضربك"، لجاز أيضًا؛ لأنّه قد عاد الذكرُ إلى الموصوف من الجزاء، وإن عاد منهما، فأجْودُ شيءٍ.

والرابع الظرفُ ونحوه من الجارّ والمجرور، فهذا في حكم الجملة من حيثُ كان الأصلُ في الجارّ والمجرور أن يتعلّق بفعلٍ؛ لأنّ حرف الجرّ إنّما دخل لإيصال معنى الفعل إلى الاسم، ويدلّ على أنّه في حكمِ الجملة أنّه يقع صلة، نحو: "جاءني الذي في الدار، ومن الكِرام"، والصلةُ لا تكون إلّا جملةً. وممّا يدلّ على ذلك أن الظرف إذا وقع صلةً، أو صفةً لنكرةٍ، جاز دخولُ الفاء في الخبر، نحو: "الذي في الدار فلَهُ درهمٌ"، و"كلُّ رجل في الدار فمُكْرَمٌ كما تقول: "الذي يأتيني فله درهمٌ"، و"كلُّ رجل يأتيني فله درهمٌ". ولو قلت: "كلُّ رجلٍ قائمٍ فله درهمٌ" لم يجز.

واعلم أن الظرف إذا وقع صفةً، كان حكمُه كحُكْمه، إذا وقع خبرًا إن كان الموصوفُ شخصًا لم تصفه إلّا بالمكان، نحو: "هذا رجلٌ عندك"، ولا تصفه بالزمان. لا تقول: "هذا رجلٌ اليومَ، ولا غدًا"؛ لأنّ الغرض من الوصف تَحْلِيَةُ الموصوف بحالٍ تختصّ به دون مُشارِكه في اسمه ليُفْصَل منه، والزمانُ لا يختصّ بشخص دون شخص، فلا يحصُل به فصلٌ.

وشَرَطْنا في الجملة التي تقع صفةً أن تكون محتمِلةً للصدق والكذب تحرُّزًا من الأمر، والنهْي، والاستفهام، نحو: "قُمْ"، و"اقْعُدْ"، و"لَا تَقُمْ"، و"لَا تَقْعُدْ"، و"هل يقوم زيدٌ؟ " فإنّ هذه الجُمَل لاَ تقع صفاتٍ للنكرات كما لا تقع أخبارًا, ولا صلاتٍ؛ لأنّ الغرض من الصفة الإيضاح والبيانُ بذكرِ حالٍ ثابتةٍ للموصوف يعرفُها المخاطبُ له، ليست لمشارِكه في اسمه. والأمرُ، والنهي، والاستفهام ليست بأحوالٍ ثابتةٍ للمذكور يختصّ بها، إنّما هو طَلَبٌ واستعلامٌ، لا اختصاصَ له بشخص دون شخص.

فأمّا قول الشاعر، أنسْده الأصمعيُّ [من الرجز]:

حَتَّى إذا جنَّ الظَّلامُ واخْتَلَطْ ... جاؤوا بمَذْقٍ هَلْ رأيتَ الذِّئبَ قَطْ

ويُروى: "بضَيْحٍ"، و"الضيحُ" بالفتح: اللَّبَنُ الرقيقُ الممزوجُ، يقال: "ضَيَّحْتُ اللبنَ أي: مزجتُه والمَذْقُ والمَذِيقُ مثله. وإنَّما وُصف به، وهو استفهامٌ على الحكاية، وإضمار القَوْل، كأنّه قال: "جاؤوا بمذقٍ مَقُولٍ فيه ذلك". شَبَّهَ لَوْنَه بلونِ الذئب لوُرْقَته، والورقةُ لونٌ كلونِ الرَّماد، ولذلك قال: "لأنّه سَمارٌ والسمارُ: اللبنُ الرقيقُ.

ومثله قول أبي الدَّرداءِ: "وجدتُ الناسَ اخبُرْ تَقْلَهْ". وذلك أنّ "وجدتُ" كـ"عَلِمْتُ" يدخل على المبتدأ والخبر، فينصبهما، والمفعولُ الثاني خبرٌ لا يقع فيه من الجُمَل إلّا الخبريّةُ. وقوله: "اُخبُرْ تَقْلِهْ" أَمْرٌ لا يقع خبرًا للمبتدأ، وكذلك لا يقع مفعولًا ثانيًا لـ"وَجَدْتُ". وإنّما ذلك على معنى "وجدتُ الناسَ مَقُولًا فيهم ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>