مات حتى رأيته في حال كذا وكذا، يريد: ما منهما واحدٌ مات.
وقد يبلغ من الظهور أنهم يطرحونه رأساً كقولهم:"الأجرع, والأبطح, والفارس, والصاحب, والراكب, والأورق, والأطلس".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ الصفة والموصوف لمّا كانا كالشيء الواحد من حيثُ كان البيانُ والإيضاحُ إنّما يحصل من مجموعهما، كان القياس أن لا يُحذف واحدٌ منهما؛ لأنّ حذفَ أحدهما نقضٌ للغرض، وتراجُعٌ عمّا اعتزموه. فالموصوفُ القياسُ يأبَى حذفَه؛ لِما ذكرناه، ولأنّه ربّما وقع بحذفه لبسٌ. ألا ترى أنّك إذا قلت:"مررت بطويل"، لم يُعلم من ظاهرِ اللفظ أنّ الممرور به إنسانٌ، أو رُمْحٌ، أو ثَوْبٌ، ونحوُ ذلك ممّا قد يوصَف بالطُول؟ إلَّا أنّهم قد حذفوه إذا ظهر أمرهُ، وقَويَتِ الدلالةُ عليه، إمّا بحالٍ، أو لفظٍ. وأكثرُ ما جاء في الشعر، لأنّه موضعُ ضرورة. وكلما استبهم، كان حذفُه أبعدَ في القياس، فمن ذلك قولُ أبي ذُؤَيْب [من الكامل]:
وعليها مسرودتان ... إلخ
الشاهد فيه قولُه: مسرودتان، والمرادُ: دِرْعان مسرودتان. وكذلك السَّوابغُ، المراد: الدُّروع السوابغ. ومن ذلك قولُ المُتَنَخل الهُذَليّ، وهو مالكُ بن عُوَيْمِر، والمتنخّل لقبٌ [من البسيط]:
رَبّاءُ شَمَّاءَ ... إلخ
الشاهد فيه قوله:"ربَّاء شمّاء"، والمرادُ: رَجُلٌ رَبَّاءُ رَبْوَةٍ، أو رابِيَةٍ شَمَّاءَ، فهو فَعّالٌ من قولك:"رَبَوْتَ الرابِيَةً" إذا عَلَوْتَها. وضعّف العينَ للتكثير، والهمزةُ في آخِره بدلٌ من الواو التي هي لامُ الكلمة، كهمزِة "كِساءٍ"، و"غِطاءٍ". ولم يُنَوّنْه لأنّه مضافٌ إلى "شمَّاء". وشمَّاءُ من الشَّمَم، وهو الارتفاعُ، يُقال:"جبلٌ أشَمُّ، ورابِيَةٌ شَمّاءُ"، أي: مرتفعةٌ، ومنه الشَّمَمُ في الأنْف، وهو ارتفاعُ قَصَبَته. وهو مخفوضٌ بإضافةِ "رَبّاء" إليه، والفتحةُ علامةُ الخفض, لأنّه لا ينصرف، وهمزتُه للتأنيث.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨)} (١)، والمراد: حُورٌ قاصراتُ الطرف.
قال:"وهذا بابٌ واسعٌ"، يعني حذفَ الموصوف إذا كانت الصفةُ مفردةً متمكَّنة في بابها غيرَ مُلْبِسة، نحوَ قولك:"مررت بظريفٍ"، و"مررت بعاقلٍ"، وشِبْهِهما من الأسماء الجاريةِ على الفعل. فأمّا إذا كانت الصفةُ غيرَ جارية على الفعل، نحوَ: "مررت برجل أيّ