للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرْقاءُ للونها، والأطلسُ: أن يَضْرِب إلى الغُبْرة، والذئبُ أطلسُ لَلْونه، فأصلُهما الصفةُ. ثمّ ظهر أمرُهما، فصار الموصوفُ نِسْيًا منسيًّا، فصارا كالجنس.

وأمّا الصفةُ، فلا يحسن حذفُها أيضًا لِما ذكرناه، ولأنّ الغرض من الصفة، إمّا التخصيصُ، وإمّا الثَّناءُ والمدحُ، وكلاهما من مَقاماتِ الإطناب والإسهابِ، والحذفُ من باب الإيجاز والاختصارِ، فلا يجتمعان لتدافُعهما. وقد حُذفت الصفة عَلى قِلَّةٍ ونَدْرَةٍ، وذلَك عند قوّةِ دلالةِ الحال عليها، وذلك فيما حكاه سيبويه من قولهم: "سِيرَ عليه ليلٌ" (١)، وهم يريدون: "ليلٌ طويلٌ". وكأنّ هذا إنّما حُذف فيه الصفةُ لِما دلّ من الحال على موضعها، وذلك بأن يوجَد في كلامِ القائل من التفخيم والتعظيم ما يقوم مقامَ قوله: "طويلٌ". وذلك إذا كنتَ في مدْح إنسان والثناءِ عليه، فتقول: "كان واللهِ رجلاً"، وتَزيد في قوّةِ اللفظ بالله، وتمطيطِ اللام، وإطالةِ الصوت بها، فيُفهَم من ذلك أنّك أردتَ كريمًا، أو شُجاعًا، أو كاملًا. وكذلك في طَرَفِ الذَّمّ إذا قلت: "سألتُ فلانًا، فرأيتهُ رجلًا"، وتَزْوِي وجهَك وتُقطَّبه، فتَغْنَى عن "بخيلًا" أو"لَئِيمًا". ومنه الحديث "لا صلاة لجارِ المَسْجِد إلَّا في المسجد" (٢)، والمرادُ: لا صلاة كاملةً، أو تامّةً، ونحوُ ذلك. فإن عَرِيَتِ الحالُ من الدلالة، لم يجز الحذفُ، فاعرفه.


(١) الكتاب ١/ ٢٢٠.
(٢) ورد الحديث في السنن الكبرى للبيهقي ٣/ ٧٥، ١١١؛ والحاوي في الفتاوي للسيوطي ١/ ٥٣٢؛ وإتحاف السادة المتقين ٢/ ٢٩؛ وتنزيه الشريعة ٢/ ٩٩. وانظر: موسوعة أطراف الحديث النبويّ الشريف ٧/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>