للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: عطفُ البيان له شَبَه ببدلِ الشيء من الشيء، وهو هو من حيث أنّ كلّ واحد منهما تابعٌ، وأنّ الثاني هو الأوّل في الحقيقة. فلذلك تَعرّضَ للفصل بينهما. وجملةُ الأمر أنّ عطف البيان يُشْبه البدل من أربعة أوجهٍ:

أحدها: أن فيه بيانًا كما في البدل.

الثاني: أنّه يكون بالأسماء الجوامِد كالبدل.

الثالثُ .... الرابعُ: أن يكون لفظُه لفظ الاسم الأوّل على جهةِ التأكيد كما كان في البدل كذلك، كقولك: "يا زيدُ زيدٌ زيدًا"، كما تقول "يا زيدُ زيدُ". وعلى ذلك قول رُؤْبَة [من الرجز]:

إنّي وأسّطارٍ سُطِرْنَ سَطرَا ... لَقائلٌ يا نَصرُ نصرٌ نصرَا (١)

ويُفارِقه من أربعةِ أوجهٍ:

أحدها: أنّ عطف البيان في التقدير من جملة واحدة بدليل قولهم: "يا أخانا زيدًا"، والبدلُ في التقدير من جملةٍ أخرى على الصحيح بدليل قولهم: "يا أخانا زيدُ".

الثاني: أنّ عطف البيان يجري على ما قبله في تعريفه، وليس كذلك البدلُ, لأنّه يجوز أن تُبدَل النكرة من المعرفة، والمعرفةُ من النكرة، ولا يجوز ذلك في عطف البيان.

الثالثُ: أنّ البدل يكون بالمظهر والمضمر، وكذلك المبدل منه، ولا يجوز ذلك في عطف البيان.

الرابعُ: أنّ البدل قد يكون غيرَ الأوّل، كقولك: "سلب زيدٌ ثَوْبُه"، وعطفُ البيان لا يكون غيرَ الأوّل. وتَبيَّن الفرقُ بينهما بيانًا شافيًا في موضعَيْن:

أحدُهما: النداء، نحو قولك: "يا أخانا زيدًا"، ولو كان بدلًا، لقلت "يا أخانا زيدُ" بالضمّ، ولم يجز نصبُه، ولا تنوينُه؛ لأنّه من جملةٍ أخرى غيرُ الأوّل، كأنّك قلت: "يا أخانا يا زيدُ"، فالعاملُ الذي هو"يا" في حكم التكرير. وكذلك تَبيّن الفرقُ بينهما في، قولك: "أنا الضارب الرجلِ زيدٍ"، إن جعلتَ "زيدًا" عطفَ بيانٍ، جازت المسألةُ، وإن جعلته بدلًا، لم تجز؛ لأن حَدّ عطف البيان أن تجرى الأسماء الصريحةُ مجرى الصفات، فيعمل فيه العاملُ، وهو في موضعه، بواسطةِ المتبوع، والبدلُ يعمل فيه العاملُ على تقديرِ تَنْحِيَةِ الأوّل، ووَضْعِه موضعَه مباشِرًا للعامل.

فأمَّا قولُ المَرّار الأسَديّ [من الوافر]:

أنا ابن التارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... إلخ


(١) تقدم بالرقم ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>