للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني في تأثيرِ العامل الأوّل. فإذا قلت: "قام زيدٌ وعمرٌو"، فأصله: قام زيدٌ قام عمرٌو، فحذفت "قام" الثانية لدلالة الأُولى عليها، وصار الفعل الأوّلُ عاملًا في المعطوف والمعطوف عليه. هذا مذهبُ سيبويه وجماعةٍ من المحققين، وكان غيره يزعم أنّ العامل في الاسم المعطوف عليه العاملُ المذكورُ. والعاملُ في المعطوف حرفُ العطف بحُكْمِ نِيَابَته عن المحذوف، وهو رأيُ أبي عليّ. فإذا قلت: "قام زيدٌ وعمرٌو"، فالعامل في "زيد" العامل الأوّلُ، والعاملُ في "عمرو" حرفُ العطف. وقال آخرون: العاملُ في المعطوف المحذوفُ، فإذا قلت: "ضربتُ زيدًا وعمرًا"، فالمراد: وضربتُ عمرًا، فحذفت الثانية لدلالةِ الأوُلى عليه، وبقي عملُه في "عمرًا" على ما كان، كما قلت: "زيدٌ عندك" وأصلُه: استقرَّ عندك، ثم حُذفت "استقرّ" لدلالةِ الظرف عليه، وبقي عملُه فيه على ما كان، كذلك ههنا.

والآخر عطفُ جملة على جملة، نحو: "قام زيدٌ، وقعد عمرٌو"، و"زيدٌ منطلقٌ، وبكرٌ قائمٌ"، ونحوها من الجُمَل. والغرضُ من عطف الجمل رَبْطُ بعضها ببعضٍ، واتصالُها، والإيذانُ بأنّ المتكلم لم يُرِد قَطْعَ الجملة الثانية من الأُولى، والأَخْذَ في جملةٍ أخرى ليست من الأُولى في شيءٍ. وذلك إذا كانت الجملةُ الثانيةُ أجنبِيّةٌ من الأولى غير ملتبِسة بها، وأُريد اتّصالُها بها، فلم يكن بدٌّ من الواو لرَبْطها بها؛ فأمّا إذا كانت ملتبسةٌ بالأَولى بأن تكون صفة، نحو: "مررت برجل يقوم"، أوَ حالًا، نحو: "مررت بزيدٍ يكتُب"، ونحوها, لم تحتج إلى الواو، فاعرفه.

وأمّا المضمر فعلى ضربَيّن: منفصلٌ ومتّصلٌ. فالمنفصلُ بمنزلةِ الظاهر. والمراد بالمنفصل عدمُ اتّصاله بالعامل فيه، نحو: "أنَا"، و"أنْتَ"، و"هُوَ"، وستُذكَر في موضعها، وإنما كانت بمنزلةِ الظاهر لعدمِ اتّصالها بما يعمل فيها، واستقلالِها بأنفسها كما كانت الظاهرةُ كذلك. والذي يُؤيِّد عندك ذلك أنّك تقول: "إيّاك ضربتَ"، و"إيايَ ضربتُ"، كما تقول: "ضربتَ نفسَك"، و"ضربتُ نفسي"، ولا تقول: "ضربتُني"، ولا "ضربتَك" لاتّحادِ الفاعل والمفعول بالكُلّية، وإذ كان الضميرُ المنفصلُ عندهم جاريًا مجرى الظاهر، ومتنزِّلًا منزلتَه، كان حكمُه كحُكْمه، فلذلك تعطِفه، وتعطف عليه كما تفعل بالأسماء الظاهرة، فتقول في عطفِ الظاهر على المضمر: "أنت وزيدٌ قائمان"، و"إيّاك أكرمتُ وعمرًا"، وتقول في عطف المضمر على الظاهر: "زيدٌ وأنت قائمان"، و"ضربتُ زيدًا وإيّاك". قال الشاعر [من البسيط]:

٤٣٦ - مُبَرَّأٌ من عُيُوبِ الناس كُلِّهِمِ ... فاللهُ يَرْعَى أبا حَرْبٍ وإيّانا


٤٣٦ - التخريج: البيت بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٢٥؛ والدرر ١/ ٢٠١؛ وهمع الهوامع ١/ ٦٣. =

<<  <  ج: ص:  >  >>