للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: ولِمَ كان العطفُ على الضمير المرفوع من غير تأكيد قبيحًا؟ قيل: لأنّ هذا الضمير فاعلٌ، وهو متصلٌ بالفعل، فصار كحرفٍ من حروف الفعل؛ لأنّ الفاعل لازمٌ للفعل، لا بدّ له منه، ولذلك تُغيَّر له الفعل، فتقول: "ضربْتُ وضربْنَا"، فتُسكِّن الباء، وقد كانت مفتوحةً. وكونُه متّصلًا غيرَ مستقِل بنفسه يُؤكِّد ما ذكرنا من شدّةِ اتصاله بالفعل. وربّما كان مستتِرًا مستكِنًّا في الفعل، نحو: "قُمْ"، و"اضْرِبْ" و"زيدٌ قام، وضرب"، ونحو ذلك. وإذ كان بمنزلةِ جزء منه وحرفٍ من حروفه، قبُح العطفُ عليه؛ لأنّه يصير كالعطف على لفظ الفعل. وعطفُ الاسم على الفعل ممتنِعٌ. وإنّما كان ممتنعًا من قِبَل أنّ المراد من العطف الاشتراكُ في تأثيرِ العامل، وعواملُ الأفعال لا تعمل في الأسماء، لا بل ربّما كان الفعلُ مبنيًّا إمّا ماضيًا، وإمّا أمرًا، فلا يكون له عاملٌ، فلذلك قبُح أن تقول: "قمتُ وزيدٌ" حتى تقول: "قمتُ أنا وزيدٌ"، فتُؤكِّده، فيكون التأكيدُ مُنبِّهًا على الاسم، ويصير العطفُ كأنه على لفظِ الاسم المؤكِّد، وإن لم يكن في الحقيقة معطوفًا عليه. إذ لو كان معطوفًا عليه، لكان تأكيدًا مثله. وليس الأمر كذلك، لأن المراد إشراكُه في عملِ الفعل، لا في التأكيد.

وإن كان المضمر المتّصل منصوبَ الموضع، نحو الهاء في "ضربتُه"، والكاف في "ضَرَبَك"، جاز العطفُ عليه من غير تأكيد. فإن أكّدتَه كان أحسنَ شيء. فإن لم تُؤكِّده، لم يمتنِع العطفُ عليه، فتقول: "ضربتُه وزيدًا"، و"أكرمتُه وعمرًا". قال الشاعر [من الوافر]:

فإنّ اللهَ يَعْلَمُنِي ووَهْبًا ... [وَيعلَمُ أنْ سَيَلْقاهُ كِلانا] (١)

عطف "وهبًا" على الياء في "يعلمني" من غيرِ تأكيد، وذلك من قِبَل أنّ الضمير المنصوب فَضْلةٌ في الكلام يقع كالمستغنَى عنه، ولذلك يجوز حذفُه وإسقاطُه، نحو قولك: "ضربتُ"، و"قتلتُ"، ولا تذكر مفعولًا، وإنّما اتّصل بالفعل من جهةِ اللفظ. والتقديرُ فيه الانفصالُ، ولذلك لا تُغيِّر له الفعلَ من جهةِ اللفظ، فتقول: "ضَرَبَكَ"، وَ"ضَرَبَهُ"، فيكون آخِرُ الفعل مفتوحًا، كما كان قبل اتّصالِ الضمير به.

وأمّا إذا كان الضميرُ مخفوضًا، لم يجز العطفُ عليه إلّا بإعادة الخافض، لو قلت: "مررت بك وزيد"، "أو به وخالدٍ" لم يجز حتّى تُعِيدَ الخافضَ، فتقول "مررت بك وبزيدٍ، وبه وبخالدٍ"؛ من قِبَل أنّ الضمير صار عِوَضًا من التنوين. والدليلُ على استوائهما قولُهم: "يا غلامِ"، فيحذفون الياء التي هي ضميرٌ كما يحذفون التنوينَ. وإنّما استويَا؛ لأنّهما يجتمِعان في أنّهما على حرف واحد، وأنّهما يُكمِّلان الاسم الأوّل، ولا يُفصَل بينهما, ولا يصحّ الوقفُ على ما اتّصلا به دونهما. وليس كذلك الظاهرُ المجرورُ, لأنّه قد يُفصَل بالظرف بينهما، نحو قوله [من السريع]:

لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ ... للهِ دَرُّ اليومَ مَن لَامَهَا (٢)


(١) تقدم بالرقم ٣٦١.
(٢) تقدم بالرقم ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>