للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد: لله درُّ من لامها اليوم، ومثله قول الآخر [من البسيط]:

كأن أصْوَاتَ مِن إيغالِهِنَّ بنا ... أواخِرِ المَيْسِ أصْواتُ الفَرارِيجِ (١)

والمراد: أصواتَ أواخرِ الميس، ففصل بينهما بالجارّ والمجرور ضرورة، ولو كان مكانَ الياء ظاهرٌ في نحو: "يا عِبادِ"، لَمَا حُذف. وقال أبو عثمان: لما صحّ "مرّ زيدٌ وأنتَ"، صحّ "مررتَ أنتَ وزيدٌ"، ولمّا صحّ "كلّمتُ زيدًا وإيّاك"، صحّ "كلّمتُك وزيدًا". ولمّا امتنع "مررتُ بزيدٍ وَكَ"؛ امتنع "مررت بك وزيدٍ"؛ لأنّ المعطوف والمعطوف عليه شَرِيكان، لا يصح في أحدهما إلَّا ما صحّ في الآخر. فلمّا لم يكن للمخفوض ضميرٌ منفصلٌ يصح عطفُه على الظاهر، لم يصح عطفُ الظاهر عليه، فلمّا لم يصحّ، وأُريد ذلك، أُعيد الخافض، وصار من قبيل عطف الجملة على الجملة، إذ كان عاملًا ومعمولًا، ولم يجز ذلك إلا في ضرورة الشعر، نحو قوله [من البسيط]:

٤٣٨ - فاليوم قَرَّبْتَ تَهْجُونَا وتَشْتِمُنَا ... فاذْهَبْ فما بك والأيّامِ من عَجَبِ

عطف"الأيّام" على المضمر المتّصل بالباء. وذلك قبيحٌ، إنما يجوز في ضرورة الشعر دون حالِ الاختيار، وسَعَةِ الكلام.


(١) تقدم بالرقم ١٤٤.
٤٣٨ - التخريج: البيت بلا نسبة في الإنصاف ص ٤٦٤؛ وخزانة الأدب ٥/ ١٢٣، ١٢٦، ١٢٨، ١٢٩، ١٣١؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٣٠؛ والدرر ٢/ ٨١، ٦/ ١٥١؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٠٧؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٠٣؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢؛ والكتاب ٢/ ٣٩٢؛ واللمع في العربية ص ١٨٥؛ والمقاصد النحوية ٤/ ١٦٣؛ والمقرب ١/ ٢٣٤؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٣٩.
المعنى: ها أنت اليوم تشتمنا وتسبّنا بعدما نلت خيراتنا، فلن نستغرب أو نعجب من تصرفاتك، ولا من الزمن العجيب بتغيّره.
الإعراب: "فاليوم": الفاء: بحسب ما قبلها، "اليوم": مفعول فيه ظرف زمان متعلّق بالفعل "قرب". "قربت": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "تهجونا": فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنت، و"نا": ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. وكذلك إعراب "تشتمنا"، والواو: للعطف. "فاذهب": الفاء: استئنافية، "اذهب": فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت. "فما": الفاء: استئنافية، "ما": نافية تعمل عمل ليس. "بك": جار ومجرور متعلّقان بخبر "ما" المحذوف. "والأيام": الواو: حرف عطف، "الأيام": اسم معطوف على كاف الخطاب في "بك" مجرور. "من": حرف جر زائد. "عجب": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًا على أنه اسم "ما" المؤخر، بتقدير: "فما عجب موجودًا بك وبالأيام".
وجملة "قربت": بحسب ما قبلها. وجملة "تهجونا": في محل نصب حال، وكذلك جملة "تشتمنا" المعطوفة عليها. وجملة "فاذهب": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة"فما بك ... ": استئنافية أيضًا لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "فما بك والأيام" حيث جرّ الأيام بدون إعادة الجارّ قبلها، وهذه ضرورة تبلغ حد الشذوذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>