للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول النابغة [من الطويل]:

على حِينَ عاتَبتُ المَشِيبَ على الصِّبا ... [وقلتُ: أَلمّا أَصْحُ والشَّيبُ وَازعُ] (١)

* * *

قال الشارح: البناء يُخالِف الإعرابَ, ويُضادّه من حيث كان البناء لزومَ آخر الكلمة ضربًا واحدًا من السكون، أو الحركةِ، لا لشيءٍ أحدثَ ذلك من العوامل، فحركةُ آخِره كحركةِ أوّله في اللزوم والثَّباتِ بخلافِ الإعراب. وإنّما سُمي بناءً؛ لأنّه لمّا لزِم ضربًا واحدًا, ولم يتغير تغيُّرَ الإعراب. سُمّي بناءً. مأخوذٌ من بناء الطين والآجُرِّ؛ لأنّ البناء من الطين والآجرّ لازمٌ موضعَه، لا يزول من مكان إلى غيره. وليس كذلك ما ليس ببناء من نحو الخَيْمة، وبيتِ الشّعْر، فإنّها أشياءُ منقولةٌ من مكان إلى مكان.

والقياس في الأسماء أن تكون معرَبةً كلُّها من قِبَل أنها سِماتٌ على مسمَّيات، وتلك المسمّياتُ قد يُسنَد إليها فعلٌ، فتكون فاعلةٌ، وقد يقع بها فعلٌ، فتكون مفعولةٌ، وقد يضاف إليها غيرُها على سبيلِ التعريف، فاستحقّتِ الإعرابَ للدلالة على هذه المعاني المختلِفة. وما بُني منها، فبالحَمْل على ما لا تمكُّنَ له من الحروف والأفعالِ، لضرب من المناسَبة. فالمبنىُّ من الأسماء هو الخارجُ من التمكّن إلى شَبَهِ الحروف، أو الأفعالِ. والمرادُ بالتمكّن في الأسماء تعاقُبُ التعريف والتنكير بالعَلامة عليه، وأمّا ما لا تمكُّنَ له، فلا يتعرّف نكرتُه، ولا يتنكر معرفتُه. فـ "رَجَلٌ"، و"فَرَسٌ" متمكِّنان لتعاقُبِ التنكير والتعريفِ عليهما، نحو قولك: "رجلٌ، وفرسٌ، والرجل، والفرس"؛ وأمّا "زيدٌ" و"عمرٌو" ونحوهما من الأعلام، فمتمكِّنان، لأنّهما قد يتنكّران، إذا ثُنيا، فيقال: "الزيدان"، و"العمران" إذا أُريد تعريفُهما، وأمّا "هذا" ونحوه، فإنّه غيرُ متمكِّن؛ لأنّك لا تقول: "الهذان"؛ وأمّا "كَمْ"، و"كَيْفَ"، ونحوهما، فإنّهما غيرُ متمكِّنَيْن؛ لأنهما نكرتان لا تتعرّفان.

والأسباب المُوجِبة لبناءِ الاسم ثلاثةٌ: تضمُّنُ معنى الحرف، ومشابَهةُ الحرف، والوقوعُ موقعَ الفعل المبنيّ، فكل مبنيّ من الأسماء فإنّما سببُ بنائه ما ذُكر، أو راجعٌ إلى ما ذُكر، فـ "أَيْنَ" و"كَيْفَ" ونظائرُهما بُنيا لتضمُّنهما معنى الحرف. والأسماء المضمرة، والموصولةُ، ونظائرُها مبنية لمضارعة الحرف. والفرقُ بين ما تَضمَّن معنى الحرف، وما ضارَعَه أن مضارَعَة الحرف إنّما هي مشابَهةٌ بينهما في خاصّة من خَواصّ


= صفة لـ "حمامة"."ذات": صفة "غصون" مجرورة بالكسرة، وهو مضاف. "أوقال": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "لم يمنع ... ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "غير" حيث جاء بها مبنيّة على الفتح في محلّ رفع فاعل لإضافتها إلى غير متمكن، وإن كان في موضع رفع.
(١) تقدم بالرقم ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>