للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضاعَفةِ، نحو: "رَدَّ"، و"شَدّ"، و"مَدَّ"، فإذا ثنّيتَ، أو جمعتَ، قلت: "ضَرَبَنَا"، فيستوي لفظُ التثنية والجمع. وقد تقدّمتْ علّةُ ذلك في ضميرِ الفاعل، إلّا أنّك هنا لا تُسكِّن آخِرَ الفعل، كما فعلتَ به حين اتّصل به ضميرُ الفاعل، نحو: "ضَرَبْنَا"، و"حَدثْنَا". فإذا سكّنت آخِرَ الفعل، فالضميرُ فاعل، وإذا حرّكتَ، فالضميرُ مفعولٌ.

وأمّا المخاطب المنصوب إذا كان مذكرًا، فضميرُه كافٌ مفتوحةٌ، نحو: "ضربتُكَ"، والمؤنّثَ كافٌ مكسورةٌ، نحو: "ضربتُكِ"، قال الله تعالى في قِصّةِ زَكَرِيّاءَ: {يُبَشِّرُكَ} (١) وقال في قصّةِ مَرْيَمَ: {يُبَشِّرُكَ} (٢)، فتحوا الكافَ مع المذكّر، وكسروا مع المؤنّث للفرق بينهما. وخُصّ المؤنث بالكسرة؛ لأنّ الكسرة من الياء، والياء ممّا يُؤنَّث به، نحو: "قُومِي"، و"تَذهَبِينَ". فهذه الكافُ اسمٌ، وتُفيد الخطابَ. والذي يدل على أنها اسمٌ أنّها وقعت موقعَ ما لا يكون إلّا اسمًا، وهو المفعولُ، ألا ترى أنّك لو وضعتَ مكانَها ظاهرًا؛ لكان منصوبًا بحقِّ المفعول، نحو: "ضرب زيداً عمرٌو".

وقد تكون هذه الكافُ لمجرَّدِ الخطاب عَرِيَة من معنى الاسميّة، نحو قولهم: "النَّجاءَكَ"، فالكافُ حرفٌ لمجرّدِ الخطاب. ولا يجوز أنّ يكون اسمًا؛ لأنّه لو كان اسمًا، لكان له موضعٌ من اِلإعراب، وليس له موضعٌ من الإعراب؛ لأنّه لو كان له موضعٌ من الإعراب، لم يَخْلُ إما أنّ يكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. لا يجوز أن يكون مرفوعًا؛ لأنّه لا رافعَ هناك. ولا يجوز أنّ يكون منصوبًا؛ لعدمِ الناصب أيضًا. ولا يجوز أنّ يكون مخفوضًا؛ لأنّ ما فيه الألف واللام لا يجوز أنّ يضاف إلّا في باب "الحسن الوجهِ"، وليس ذلك منه. ومنه الكافُ في "ذلِكَ"، و"أُولئِكَ" ونحوهما؛ لعدمِ جوازِ الإضافة فيهما. فإذا ثنّيتَ، قلت: "ضربتُكُما". ويستوي فيه المذكّرُ والمؤنّثُ، وقد تقدّمت علّةُ ذلك.

وتقول في جمع المذكّر: "ضربتُكُم"، وأصلُه: "ضربتُكُمُوا" بواوٍ، وإنّما حذفتَ الواو تخفيفًا، وأسكنتَ الميم لِما ذكرناه. وتقول في المؤنّث: "ضربتُكُنَّ"، فتفصِل بين ضميرِ المذكّر، والمؤنّث، والتثنيةِ، والجمعِ لما ذكرناه في ضمير المرفوع. وأمّا ضميرُ الغائب، فإنّك تُثنِّيه، وتجمعُه، وتفرِق بين مذكّره ومؤنّثه كما فعلتَ مع المخاطب، وهو ههنا أَوْلى لأنّه ضميرُ ظاهرٍ قد جرى ذكره. والظاهرُ يُثنَّى، ويُجْمَع، ويُذكَّر، ويُؤنَّث، فتقول في المذكّر: "ضربْتُه"، فالضميرُ الهاء، إلّا أنّك تزيد معها حرفًا آخرَ، وهو الواو، وذلك لخَفاء الهاء.

وكان القياسُ أن يكون حرفاً واحدًا؛ لأنّ المضمراتِ وُضعت نائبةً عن غيرها من الأسماء الظاهرة لضربٍ من الإيجاز والاختصارِ، كما جِيء بحروفِ المعاني نائبةً عن


(١) آل عمران: ٣٩.
(٢) آل عمران: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>