غيرها من الأفعال، فـ "مَا" نائبةٌ عن "أَنْفِي"، والهمزةُ نائبةٌ عن "أَسْتَفْهِمُ"، والواوُ في العطف، ونحوها عن الفاء، و"ثُمَّ"، نائبةٌ عن "أجْمَعُ" و"أعْطِفُ"، فلذلك قلّتْ حروفُها كما قلّتْ حروفُ المعاني، فجُعل ما كان منها متّصلاً على حرف واحد كالتاء في "قُمْتَ"، والكاف في "ضَرَبَكَ"، وجُعل بعضُ المتْصل في النية كالضمير في "أَفْعَلُ"، و"يَفْعَلُ"، و"تَفْعَلُ"، وفي "زيدٌ قام" و"يقوم" مبالغةٌ في الإيجاز عند أَمْنِ اللَّبْس، بدلالةِ حروفِ المضارعة على المضمرين. ألا ترى أنّك إذا قلت:"أَفْعَلُ"، فالهمزةُ دلّت على أنّ الفعل للمتكلّم وحده، والنون دلت على أنّ المتكلم معه غيرُه، والتاء دلّت على أنّ الفعل للمخاطب، أو الغائبة؟
وتقدُّمُ الظاهر في قولك "زيدٌ قام" دلّ على أنّ الضمير له. واحتمل أن يكون على حرف واحد؛ لأنّه متصلٌ بما قبله من حروفِ الكلمة، ولو كان منفصلاً، لكان على حرفَيْن، أو أكثرَ؛ لأنّه لم يُمكِن إفرادُ كلمةٍ على حرف واحد. والمنفصلُ منفردٌ عن غيره بمنزلةِ الأسماء الظاهرةِ. وتقول في المؤنّث:"ضربتُها"، وفي التثنية:"ضربتُهُما" الذَّكَرُ والأُنْثَى فيه سَواءٌ. وتقول في جمع المذكّر:"ضربتُهُمْ"، والأصلُ:"ضربتُهُمُوا" بواوٍ بعد الميم، وتحذف الواو وتُسكّن ما قبَلها تخفيفًا. وتقول في جمع المؤنّث:"ضربتُهُنَّ" بنون مشدَّدة، ليكون نونان بإزاء الميم والواو في المذكّر.
وأمّا ضمير المجرور، فهو في اللفظ والصورة كلفظِ المنصوب على ما تقدّم، نحو قولك إذا كنيتَ عن نفسك وحدَك:"مَرَّ بي"، و"غُلامي"، فالضميرُ الياء كما كانت في المنصوب، إلا أنّك لا تأتي ههنا بنون الوقاية لأنّه اسمٌ، والاسمُ لا يُصان عن الكسر، وهذه الياء تُفتَح وتُسكَّن، فمن فتحها، فلأنّها اسمٌ على حرف واحد، فقوِي بالحركة، كالكاف في "غلامكَ". ومَن أسكنَ، فحُجّتُه أنّه استغنى عن تحريكها بحركة ما قبلها مع إرادة التخفيف فيها. فإذا ثنّيتَ، قلت:"مَرَّ بِنَا"، و"غلامُنَا"، يستوي في ذلك التثنيةُ والجمع، والمذكر والمؤنّثُ استغناء بقَرِينةِ المشاهدة والحضور عن علامةٍ تدل عى كلِّ واحد من هذه المعاني.
فإذا خاطبتَ، قلت:"بِكَ"، و"غلامُكَ" في المذكّر بكاف مفتوحة، كما كان المنصوبُ كذلك، وتقول في المؤنّث:"بِكِ"، و"غلامُكِ"، بكاف مكسورة كما فعلت في المنصوب كذلك. وتقول في التثنية:"بِكُمَا"، و"غلامُكُمَا" مذكّرًا كان، أو مؤنّثًا، كما كان في المنصوب كذلك. وتقول في الجمع:"بِكُمْ"، و"غلامُكُمْ"، وفي جمع المؤنّث "بِكُنَّ"، و"غلامُكُنَّ" فتُثنَّي، وتجمَع، وتُؤنِّث، والعلّةُ فيه ما تقدّم.
فأمّا المضمر المنفصل، فإنّا قد بَيَّنَّا أنّه الذي لا يلي العاملَ، ولا يتصِّل به، وذلك بأن يكون مُعرَّى من عامل لفظىٍّ، كالمبتدأ والخبر في نحو قولك:"نَحْنُ ذاهبون"، و"كيف أنت؟ "، و"أَيْنَ هو؟ "؛ أو يكون مقدَّمًا على عامله، كقولك:"إياك أُخاطِبُ". قال