للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١)؛ أو مفصولاً بينه وبينه بشيء، كالاستثناء والعطفِ، نحو: "ما قام إلّا أنتَ"، و"ما ضربتُ إلّا إيّاك"، ونحو:،"ضربتُ زيداً وإيّاه".

ولا يخلو من أنّ يكون مرفوعَ الموضع، أو منصوبَ الموضع، ولا يكون مخفوضَ الموضع؛ لأنّ المجرور لا يكون إلّا بعامل لفظىٍّ، كحروفِ الجرّ والإضافةِ. ولا يجوز أن يتقدّم المجرورُ على الجارّ، ولا يُفصَل بينهما فصلاً لازمًا، وقولُنا: "لازمًا" احترازٌ ممّا قد يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، فإنّ ذلك لا يقع لازمًا؛ لأنّ الظرف ليس بلازمٍ ذكره.

فأمّا ضميرُ المرفوع، فيكون متكلمًا ومخاطبًا وغائبًا، فالمتكلّمُ "أَنَا" إذا كان وحده، فالألفُ والنون هو الاسمُ عند البصريين، والألفُ الأخيرة أُتي بها في الوقف لبيانِ الحركة، فهي كالهاء في "اغْزُة" و"ازمِهْ". وإذا وصلتَ، حذفتَها كما تحذِف الهاء في الوصل. وذهب الكوفيون إلى أنّها بكمالها هو الاسمُ، واحتجّوا لذلك بقول الشاعر [من الوافر]:

٤٤٧ - أَنَا سَيْفُ العَشِيرةِ فاعْرِفُوني ... حَمِيدٌ قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا

وجهُ الشاهد أنّه أثبتَ الألفَ في حالِ الوصل. ومنه قِراءةُ نافع: {أَنَا أُحْيِي} (٢) قالوا: فإثباتُها في الوصل دليلٌ على ما قلناه، ولا حجّةَ في ذلك لقِلّته؛ ولأنّ الأعمّ


(١) الفاتحة: ٥.
٤٤٧ - التخريج: البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص ١٣٣؛ وأساس البلاغة ص ١٤٣ (ذرى)؛ وشرح شواهد الشافية ٢٢٣؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٧ (أنن)؛ ولحميد بن بحدل في خزانة الأدب ٥/ ٢٤٢؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٤، ٤٠٣؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢/ ٢٩٥؛ والمقرب ١/ ٢٤٦؛ والمنصف ١/ ١٠.
اللغة: تذرَّيت السنام: علوت الذروة منه.
المعنى: يفخر الشاعر بأنّه البطل، والسيف الذي تقاتل به عشيرتُه، وأنه تسنَّم ذروة المجد والشرف.
الإعراب: "أنا": ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. "سيف": خبره مرفوع وهو مضاف. "العشيرة": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "فاعرفوني": الفاء: استئنافية، "اعرفوني": فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة: فاعل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم مفعول به محله النصب. "حميدٌ": بدل من "سيف" مرفوع. "قَدْ": حرف تحقيق. "تذرَّيْتُ": فعل ماضٍ مبنيّ على السكون، والتاء: فاعل محله الرفع. "السناما": مفعول به منصوب بالفتحة، والألف: للإطلاق.
جملة "أنا سيف العشيرة": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "اعرفوني": استئنافية لا محل لها من الاعراب. وجملة "تذرَّيتُ": حال من "حميد" على الالتفات محلها النصب.
والشاهد فيه: ثبوت ألف "أنا" في الوصل.
(٢) البقرة: ٢٥٨. وانظر: البحر المحيط ٢/ ٢٨٨؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٣١؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>