للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء عبد الله وأنت وإياك أكرمت إلا ما أنشده ثعلب [من البسيط]:

٤٥٦ - وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القولُ: إن الضمير ضميران: متّصلٌ ومنفصلٌ. فما كان متّصلاً، كان أَقَلَّ حروفا من المنفصل، فمِنْه ما كان على حرف واحد، كالتاء في "قمتُ"، والكاف في "ضَرَبَكَ" طَلَبًا للإيجاز والاختصارِ، حتّى إنّهم جعلوا بعضَ المتّصلة في النيّة كالضمير في "أَفْعَلُ"، و"يَفْعَلُ"، و"تَفْعَلُ"، وفي "زيدٌ قَامَ". وجاز أن يكون على حرف واحد لاتصاله بما قبله من حروفِ الكلمة المتقدّمة.

فأمّا المنفصل، فلا يكون إلّا على حرفَيْن، أو أكثرَ؛ لأنّه منفرِدٌ عن غيره بمنزلةِ الأسماء الظاهرة، ولا يمكن إفرادُ كلمة على حرف واحد. وإذا ثبت أن المتصل أقلُّ حروفًا من المنفصل وأَوْجزُ، كان النُّطْقُ بالمتّصل أخفَّ، فلذلك لا يستعملون المنفصلَ في المواضع التي يمكن أن يقع فيها المتّصلُ؛ لأنّهم لا يعدِلون إلى الأثقل عن الأخفّ، والمعنى واحدٌ إلّا لضرورةٍ. فلذلك لا تقول: "ضَرَبَ أنتَ"، ولا "هُوَ"؛ لأنّه يجوز أن يقع هنا المتّصلُ، فتقول: "ضَرَبْتَ" و"ضَرَبَ"، فتكون التاء الفاعلةَ، ولا حاجةَ إلى "أنتَ".


= والشاهد فيه قوله: "ما قطر الفارس إلا أنا" حيث فصلت "إلا" الضمير الذي كان يجب أن يكون متصلاً. ٤٥٦ - التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ١٢٩؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٣٨٥؛ وتخليص الشواهد ص ١٠٠؛ وخزانة الأدب ٥/ ٢٧٨، ٣٢٥؛ والخصائص ١/ ٣٠٧، ٢/ ١٩٥؛ والدرر ١/ ١٧٦؛ وشرح الأشموني ١/ ٤٨؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٤٤؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٢؛ ومغني اللبيب ٢/ ٤٤١؛ والمقاصد النحوية ١/ ٢٥٣؛ وهمع الهوامع ١/ ٥٧.
اللغة: ما نبالي: لا نهتم ولا نكترث. ديّار: أحد.
المعنى: لا يهمّنا ألّا يجاورنا أحد سواك, لأنّ جوارك يغنينا عن جميع الناس.
الإعراب: "وما": الواو: بحسب ما قبلها، و"ما": حرف نفي. "نبالي": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن. "إذا": اسم شرط غير جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بجوابه. "ما": زائدة. "كنت": فعل ماضٍ ناقص، والتاء: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع اسم "كان". "جارتنا": خبر "كان" منصوب، وهو مضاف، و"نا": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بالإضافة. "ألّا": "أن": حرف نصب، و"لا": حرف نفي. "يجاورنا": فعل مضارع منصوب بالفتحة، و "نا": ضمير متّصل مبنيّ في محل نصب مفعول به. "إلاّك": "إلّا": حرف استثناء، والكاف: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء. "ديار": فاعل مرفوع بالضمّة. والمصدر المنسبك من"أن" وما بعدها في محلّ نصب مفعول به لِـ "نبالي"، وجوَّز بعضهم أن يكون منصوبًا على نزع الخافض، والتقدير: "ما علينا في عدم مجاورة غيرك إيّانا ضرر".
وجملة "ما نبالي": بحسب ما قبلها. وجملة "كنت جارتنا": في محلّ جر بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "إلاّك" حيث وقع الضمير المتصل بعد "إلّا" شذوذًا للضرورة الشعريّة، والقياس: "إلا أنت".

<<  <  ج: ص:  >  >>