وكذلك يكون الفاعل مستتِرًا في "ضَرَبَ", ولا حاجةَ إلى "هُوَ", لأنّ الأوّل أوجزُ. وكذلك لا تقول: "ضرب زيدٌ إيّاك"، وإن كان فَصَلَ بينهما الفاعلُ الظاهرُ؛ لأنّ الفصل ليس بلازمٍ، إذ ليس تقدُّمُ الفاعل على المفعول حَتْمًا لازمًا؛ لأنّه يجوز أن تقول: "ضَرَبَكَ زيدٌ"، فتُقدَّم المفعولَ من غيرِ قُبْح.
وأمّا قول حُمَيْد الأَرْقَطِ [من الرجز]:
إليك حتى بلغتْ إيّاكا
فإئه وضع " إيّاك" موضع الكاف ضرورةً، والقياسُ "بلغتْك". وكان أبو إسحاق الزجّاجُ يقول: تقديره: حتى بلغَتْك إيّاك. وهذا التقديرُ لا يُخْرِجه عن الضرورة سواءً أراد به التأكيدَ، أو البدلَ؛ لأنّ حذفَ المؤكَّد، أو المُبْدَل منه ضرورةٌ؛ والمرادُ: سارت هذه الناقةُ حتى بلغتْك. ومثله قولُ بعض اللُصوص [من الهزج]:
كَأَنَّا يَوْمَ قُرَّى إنْ ... نَمَا نَقْتُلُ إيّانَا
البيت لذي الإصْبَع العَدْوانيّ، وقبله:
لَقِينَا مِنْهُمُ جَمْعًا ... فأَوْفَى الجَمْعَ ماكانَا
وبعده:
قَتَلْنَا مِنْهُمُ كُلَّ ... فَتًى أَبْيَضَ حُسّانا
الشاهد فيه وضعُ "إيّانا" موضعَ الضمير المتّصل، إلّا أنّه أسهلُ ممّا قبله. وذلك لأنّه لا يُمْكِنه أن يأتي بالمتّصل، فيقول: "نَقْتُلُنَا"؛ لأنّه يتعدّى فعلُه إلى ضميره المتّصل، فكان حقه أن يقول: "نقتل أنفسَنا" لأنّ المنفصل والنفس يشتركان في الانفصال، ويقعان بمعنًى، نحو قولك: "ما أُكرمتَ إلّا نفسَك"، و"ما أكرمتَ إلّا إيّاك"، فلمّا كان المتّصل لا يمكن وقوعُه ههنا لِما ذكرناه، وكان النفسُ والمنفصلُ مترادِفَيْن، استعمل أحدهما موضع الآخر. و"قُرَّى" بضمْ الأوّل: موضعٌ، والمعنى أنّ قَتْلَنا إيّاهم بمنزلةِ قَتْلنا أنفسَنا؛ لأنَّا عشيرةٌ واحدةٌ.
قال: وتقول: "هو ضَرَبَ"، و"الكريمُ أنتَ" إلخ، يشير إلى أنّ المضمر إذا وقع في هذه المواقع، لا يكون إلّا منفصلاً، ولا حظَّ للمتصل فيها.
وجملةُ الأمر أن المضمرات المنفصلة تكون مرفوعةَ الموضع، ومنصوبةَ الموضع. والمرادُ بالمنفصل الذي لا يلي العاملَ، ولا يتّصل به بأن يكون مُعرَّى من عاملٍ لفظيِّ، أو مقدَّمَا على عامله اللفظيِّ، أو مفصولاً بينه وبين عامله.
فأمّا المرفوع، فخمسةُ مواضع: المبتدأ وخبرُه، وخبرُ "إنَّ" وأخواتِها، وبعدَ حروف الاستثناء، وحروفِ العطف. فقولُنا: "هو ضَرَبَ" فـ "هو" مبتدأ، و"ضَرَبَ" جملةٌ في