والدرهم أعطيتكموه"، و"الدرهم زيد معطيكه"، و"عجبت من ضربكه"، جاز أن يتصلا كما نرى، وأن يفصل الثاني, كقولك: "أعطيتك إياه"، وكذلك البواقي. وينبغي إذا اتصلا أن تقدم منهما ما للمتكلم على غيره، وما للمخاطب على الغائب، فتقول "أعطانيك", و"أعطانيه زيدٌ" و"الدرهم أعطاكه زيدٌ", وقال عز وجل:{أنلزمكموها}(١).
* * *
قال الشارح: المضمران إذا اتصلا بعامل، فلا يخلو اتّصالهما إما أن يكون بفعلٍ، وإمّا باسمٍ فيه معنى الفعل. فإنّ اتّصلا بفعلٍ، فإن كان أحدُ المضمرَيْن فاعلاً، والآخرُ مفعولاً، لزِم تقديمُ الفاعل على كلِّ حال من غِيرِ اعتبارِ الأقرب، وذلك نحو"ضربتُك"، و"ضربتُه"، و"ضربتَني"، و"ضربتَه"، و"ضَرَبَني"، و"ضَرَبَك"، و"ضَرَبَه".
وإنّما لزم تقديمُ الفاعل مع الفعل على غيره من المضمرات, لأنّه كجزء منه، إذ كان يُغيِّر بناءه حتى يختلِط به، كأنّه من صِيغته، كقولك: "ذهبْتَ"، و"ذهبْتُمَا"، و"ذهبْتُمْ"، و"ذهبْتُنَّ"، فتُسكن آخِرَ الفعل، وقد كان مفتوحًا قبل اتّصاله به. وربّما اختلط به الضميرُ حتى يصير مقدَّرًا في الفعل بغيرِ علامة ظاهرة، كقولك: "زيدٌ قام"، و"أنت تقوم"، و"أنا أقوم"، و"نحنُ نقوم".
ولا يُوجَد ضميرُ مرفوع متّصلٌ بغيرِ فعل، ولذلك استحكمتْ علامةُ الإضمار في الفعل. فإن كان المتّصلُ به الضميران مصدرًا، نحو: "عجبتُ من ضَرْبي إيّاك، ومن ضَرْبيكَ"، ذلك في الثاني وجهان: أن تأتي بالمتصل، نحو: "عجبتُ من ضَرْبيكَ"، وأن تأتي بالمنفصل، نحو: "عجبتُ من ضَرْبي إيّاك". والثاني هو الأجودُ المختارُ. وإنّما كان المنفصلُ هنا هو المختارَ بخلاف الفعل، لوجهَيْن:
أحدُهما أن "ضَرْبًا" اسمٌ، ولا يستحكِم فيه علاماتُ الإضمار استحكامَها في الأفعال، إذ كانت علامةُ ضميرِ المرفوع، لا تتّصِل به، ولا بما اتّصل به، وإنّما يتّصل به علامةُ ضميرِ المجرور، والذي يُشارِكه في ذلك الأسماء التي ليس فيها معنى فعل، نحو: "غُلامي"، و"غلامك"، و"غلامه". ولا يتّصل بالضمير المضاف إليه "الغلامُ" ضميرٌ آخرُ متّصلٌ، فكان المصدرُ الذي هو نظيرُه كذلك.
والوجه الثاني: أن الضمير المضافَ إليه المصدرُ مجرورٌ حالٌّ محلَّ التنوين، ونحن لو نَوَّنَّا المصدرَ، لَمَا وَلِيَه ضميرٌ متْصلٌ، وإنّما يَلِيه المنفصلُ، نحو قولك: "عجبتُ من ضَرْب إيّاك، ومن ضرب إيّاه، ومن ضرب إيّايَ". ولذلك كان الأجودُ المختارُ أن تأتي بالمنفصل مع المصدر. ويجوز أن تأتي بالمتّصل معه جوازًا حسنًا، وليس بالمختار.