للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّما جاز اتْصالُ الضميرَين به من نحو: "عجبتُ من ضَرْبِيكَ"، وإن كان القياسُ يقتضي انفصالَ الثاني من حيث كان اسمًا كغيره من الأسماء غيرِ المشتقّة، نحو: "غلامك"، و"صاحبك"، لشَبَهه بالفعل من حيث كان الفعل مأخوذًا منه، ويعمل عَمَلَه. فشُبّه ما اتّصل بالمصدر بما اتّصل بالفعل، فقولُك: "عجبتُ من ضَرْبي إيّاك" هو الوجهُ والقياسُ. وقولُك: "عجبتُ من ضَرْبِيك" جائزٌ حسنٌ على التشبيه بالفعل، نحو: "ضربتُك"، فالياء في "ضَرْبِيك" بمنزلةِ التاء في "ضربتُكَ".

وإذا اتّصل الضميران بالمصدر، فالأوّل هو الفاعلُ، والثاني هو المفعول على الترتيب الذي ذكره من تقديم المتكلّم، ثُمّ المخاطبُ، ثمّ الغائبُ من نحو: "عجبتُ من ضَرْبِيك، وضَرْبِيه، ومن ضَرْبِكَهُ" على الترتيب الذي رتّبه صاحب الكتاب. فإن كان الفاعل المخاطبَ، وأضفتَ المصدر إليه، والمفعولُ به المتكلّمُ، لم يحسن إلّا المنفصلُ، نحو: "عجبتُ من ضَرْبك إيّايَ"، و"عجبتُ من ضَرْبه إيّاي".

فإنّ كان الضميران مفعولَيْن، لزم اتّصالُ ضمير المفعول الأوّلِ بالفعل؛ لأنّه يَليه. ولا فَرْقَ في ذلك بين أن يكون قد اتّصل بالفعل ضميرُ فاعلِ، وأن لا يكون اتّصل به؛ لأنّ ضمير الفاعل يصير كحرفٍ من حروف الفعل، فيتّصل به ضميرُ المفعول بالفعل مع ضمير الفاعل، كما يتّصل به خاليًا من الضمير، فتقول: "ضربتُكَ"، و"ضربتَنِي"، كما تقول: "ضَرَبَكَ"، و"ضَرَبَنِي". فإذا جئتَ بعد اتّصالِ ضمير المفعول الأوّلِ بضميرِ مفعولٍ ثانٍ، جاز اتّصالُه وانفصالُه، نحو: "الدرهمُ أعطيتُكَهُ، وأعطيتُك إيّاه"، فاتّصالُه لقوّة الفعل، وأنّه الأصلُ في اتّصالِ المنصوب.

ولما كان المتّصلُ أخصَر من المنفصل، ومعناه كمعنى المنفصل، اختاروه على المنفصل. وأمّا جوازُ الإتيان بالمنفصل، فلأنّ ضميرَ المفعول الثاني لا يُلاقي ذاتَ الفعل، إنّما يُلاقي ضميرَ المفعول الأوّل، وليس كذلك ضميرُ المفعول الأوّل, لأنّه يلاقي ذاتَ الفعل حقيقةٌ في نحو: "ضَرَبَكَ"، أو ما هو منزَّلٌ منزلةَ ما هو حرفٌ من حروف الفعل، نحو: "ضربتُكَ". ألا ترى أنَّه يلاقي الفاعلَ، والفاعلُ يتنزّلُ منزلةَ الجزء من الفعل؟ قال الله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} (١)، فقدّم ضميرَ المخاطب على الغائب؛ لأنّه أقربُ إلى المتكلّم.

وقد اشترط صاحب الكتاب أنّه إذا التقى ضميران متّصلان، بُدىء بالأقرب إلى المتكلّم من غير تفضيل. والصوابُ ما ذكرتُه، وهذا الترتيبُ رأيُ سيبويه (٢)، وحكايتُه عن العرب. والعلّةُ في ذلك أن الأولى أن يبدأ الإنسانُ بنفسه؛ لانّها أعرفُ وأهَمُّ عنده. وكما كان المختارُ أن يبدأ بنفسه، كان المختار تقديمَ المخاطب على الغائب؛ لأنّه أقربُ إلى


(١) هود: ٢٨.
(٢) الكتاب ٢/ ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>