للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنها لو كانت للتأنيث على حدّها في "قائمة"، و"قاعدة"، لكانت زائدة، وكان يؤدي إلى أن يكون الاسم على حرف واحد، وقد بينّا ضُعْفَ مذهب الكوفيين في ذلك. وأمرٌ آخرُ أنك لا تجد الهاء علامة للتأنيث في موضع من المواضع. والياء قد تكون علامة للتأنيث في قولك: "اضرِبِي"، فأمّا "قائمة" و"قاعدةٌ"، فإِنما التأنيثُ بالتاء. والهاء من تغيرِ الوقف، ألا تراك تجدها تاء في الوصل، نحو: "طَلْحَتان"، و"هذه طلحةٌ يا فَتَى، وقائمة يا رجلُ"، فإذا وقفتَ كانت هاء؟ والهاء في "ذِهْ" ثابتة وصلًا ووقفًا، والكلامُ إنّما هو في حقيقته، وما يندرج عليه، ألا ترى أننا نُبدِل من التنوين ألفًا في النصب، وهو في الحقيقة تنوين على ما يُدْرَج عليه الكلامُ؟ ويؤيد ذلك أن قومًا من العرب- وهم طَيىءٌ - يقِفون على هذا بالتاء، فيقولون: "شَجَرَت"، و"حَجَفَت"، فثبت بما ذكرناه أن الهاء في "ذِهْ" ليست كالهاء في "قائمة"، فلا تُفيد فائدتَها من التأنيث.

وقوله: "بالوصل والسكون" يريد أن هذه الهاء يجوز فيها وجهان: أن تكسِرها وتَصِلها بحرفِ مد كما تفعل بهاء الإضمار. والآخرُ أن تُسكنها وصلًا ووقفًا. فمن حركها؛ فلأنها هاء في اسم مبهم غير متمكّن، فشُبهت بهاء الإضمار، نحو: "مررت بهِ"،، و"نظرت إلى غلامهِ". ومَن سكنها؛ فإنّه جرى على القياس، إذ كانت بدلًا من حرف ساكن، وهو الياء، فيقول: "هذه أمةُ الله"، و"نظرت إلى هذِهْ يا فَتَى". فإذا لَقِيَها ساكن، لم يكن بدٌّ من تحريكها بالكسر، فتقول: "هذهِ المرأةُ قائمةٌ"، و"هذه الأَمةُ عاقلةٌ". ويحتمل ذلك أمرَيْن:

أحدهما: أن يكون لمّا صار إلى موضع يُحتاج فيه إلى حركةِ الهاء لئلا يجتمع ساكنان، عاد إلى لغةِ من يكسر، ولم يجعلها في قوله: "هذه أمةُ الله"، لالتقاء الساكنين. وذلك أقيسُ من اجتلابِ حركة غريبة. ويدل على ذلك أن من قال: "هُمْ قاموا"، فأسكنَ الميمَ من "هُمْ"، متى احتاج إلى حركتها، ردّ إليها الضمة التي في لغةِ من يقول: "هُمُو قاموا". وعلى ذلك من قال: "مُذْ"، فأسكنَ الذالَ لزَوالِ النون الساكنة من قبلِها، إذا احتاج إلى حركةِ الذال، ردها إلى الضمّ، فقال: "مُذُ اليومِ". وكذلك من أعمل "مَا" النافيةَ، إذا عرض ما يُبْطِل الإعمالَ من اعتراضِ الاستثناء، أو تقديمِ الخبر، صار إلى لغةِ من لا يُعْمِل.

والأمر الآخر: أن تكون الكسرة لالتقاء الساكنين، وكذلك الضم في "هُمُ القومُ" لالتقاء الساكنين، وإنما عُدل إلى الضم للإتباع، وكذلك الضم في "مُذُ الليلةِ"، ويؤيد ما قلناه أن بعضَ ذلك قد جاء مكسورًا. قال الشاعر فيما أنشده قُطْرُبْ [من الطويل]:

٤٧٩ - ألا إِنّ أصْحابَ الكَنِيفِ وَجَدْتُهُم ... هُمِ القَوْمُ لَما أَخْصَبوا وتَمَوَّلُوا


٤٧٩ - التخريج: البيت لعروة من الورد في ديوانه ص ١١٩؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢/ ٥٥٨؛ والمحتسب ١/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>