للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَيب منهن. وقولُه: {وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا}، بمعنَى: البانِي لها في أحدِ القولَين، والقولُ الآخر أن يكون بمعنى المصدر، أي: وبِنائِها. وقولُهم: "سبحانَ ما سخركن لنا" بمعنَى المُسخر، ومهما جاء من ذلك، فمتأوَّلٌ على ما يَرجِعه إلى ما أصّلنا , ولها مواضعُ تُذكر أقسامُها فيها فيما بعدُ، إن شاء الله.

وأما "أَيٌّ"، فإنّها تكون موصولة أيضًا تحتاج إلى كلام بعدها، تتِمّ به اسمًا كاحتياجِ "الذِي" و"مَنْ"، و"مَا"، إذا كانا بمعنَى "الذي". ويعمل فيها ما قبلها من العوامل كما تعمل في "الذي"، فتقول: لأضرِبَن أيَّهُمْ في الدار"، والمعنى "الذي في الدار" منهم، فـ "أيٌّ" بمنزلةِ "الذي"، إلَّا أنها تُفيد تبعيضَ ما أُضيفت إليه، ولذلك لزمتْها الإضافةُ. ألا ترى أنك إذا قلت: "لأضربن الذي في الدار"، لم يكن في اللفظ دلالةٌ على أنّه واحدٌ من جماعة، كما تُفيد "أيٌّ" ذلك؟

وقد تُفرَد ومعناها الإضافة، نحوُ قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (١)، والمعنى: أيَّ الاسمَين دعوتَ الله به، فله الأسماء الحسنى.

ولا بدّ من عائد في الجملة التي هي صلةٌ له. ألا تراك تقول: "جاءني ايُّهُم قام أبوه"، والعائدُ الهاء في "أبوه وتقول:"لأضربَن أيَّهُم قام غلامُه، وأيَّهُم هو أحسنُ"؟ فإن حذفتَ العائد المرفوع الذي لا يحسُن حذفُه في "الذِي"، بُني على الضم، نحوَ قولك: "لأضربَن أيهُم أحسنُ". قال الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)} (٢)، والمعنى أيَّهُم هو أشدُ.

وإنما بُنيت, لأن القياس فيها أن تكون مبنية على حد نظيرَيْها، وهما "مَنْ"، و"مَا"؛ لأنها إذا كانت استفهامًا، فقد تضمنتْ معنَى همزة الاستفهام؛ وإذا كانت جزاء، فقد تضمنت معنى حرف الجزاء، وهو" إنْ"؛ وإذا كانت خبرًا بمعنَى "الذي" فهي كبعضِ الاسم على ما أصلنا.

وإنما أُعربت لتمكنها بلزوم الإضافة لها حَمْلًا لها على نقيضها ونظيرها، وهو "بَعضٌ" و"كُلٌّ"، فلمّا حُذف العائد المرفوع الذي لا يحسن حذفُه مع "الذي"، دخلها نقصٌ بإزالتها عن ترتيبها، فعادت إلى أصلها. ومقتضَى القياس فيها من البناء كما أنا "مَا" الحِجازيةَ إذا قدُّم خبرُها، أو دخلها الاستثناءُ الناقضُ لمعنَى الجَحْد، رُدّت إلى قياسِ نظيرها في الابتداء، نحوِ: "هَلْ"، و"إنَّمَا" ونحوِهما مما يكون بعده المبتدأ والخبر، وإنما بُني على الضم على التشبيه بـ "قَبْلُ" و"بَعْدُ"، و"يَا زيدُ"؛ لأنّه يكون مُعرَبًا في حال، ومبنيًّا في حال، كما تقول: "جئتُ من قَبْلِ ومن بَعْدٍ"، و"يَا رجلًا ثم تقول: "جئت من قبلُ


(١) الإسراء: ١١٠.
(٢) مريم: ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>